حمدان بن علي البادي
قد لا أبالغ إن قلت إن حالة من الإحباط والسلبية تسيطر على بيئة العمل في أغلب القطاعات، وهذا ما نلمسه من الأحاديث اليومية التي تدور بين الموظفين، وفيهم من تم تسريحه من العمل ومن فقد بعض امتيازاته المالية، فيهم من قالوا إنهم أصبحوا بين ليلة وضحاها زائدين عن حاجة العمل، وغيرهم وضعهم مبهم يتساءلون: هل سيطالهم قرارات بإنهاء مسارهم الوظيفي قبل الوقت المعلوم كما حدث لأقرانهم؟! أم أن هناك أمرا مجهولا غير واضح المعالم بانتظارهم في قادم الوقت.
كل هذا وأكثر قد أوجد بيئة خصبة لانتشار القيل والقال، وكدر صفو العيش وأوجد نوعا من السلبية في بيئة العمل سيطال أثرها الجميع إن لم يحدث ما ينعش هذه الروح ويعيد لها بريقها.
الأشهر الماضية كانت صعبة على الجميع بما في ذلك الاقتصاد، وعودة الموظفين التدريجية إلى أعمالهم بحاجة إلى إنعاش الروح الوظيفية وشحذ الهمم التي طالها الكثير من المتغيرات والإجراءات التي اتخذت خلال العام المنصرم، تلك الإجراءات التي قيل إنها جاءت في سبيل تصحيح المسار وتحسين بيئة العمل وضبط الكثير من الفروقات التي يعتقد أنها أوجدت تمايزا بين فئات العاملين في الجهاز الحكومي وشبه الحكومي، إجراءات سمعت بها بعض شركات القطاع الخاص وفرضتها على موظفيها تحت ذريعة السوق وتحدياته.
وقد ساهمت خطة التوازن المالي قصيرة الأمد في المساس ببعض الامتيازات التي كانت تشكل قيمة مضافة للموظف، ويرونها مستحقة نظير جهود تبذل، حتى العلاوة السنوية التي تكاد لا تذكر قسمت إلى نصفين مع اقتطاع نسبة ١٪ لصندوق الأمان الوظيفي.
هذه المتغيرات حتى وإن لم يشعر بها المسؤولون أو حاولوا التغاضي عنها فهي بالطبع سوف تؤثر على سير العمل والإنتاجية للفرد، وسوف تقض مضجع الاستقرار الوظيفي وبحبوحة الوظيفة التي كان يتمتع بها العامل في القطاع الحكومي، وتعمق مأساة القطاع الخاص، وكيف لا تهتز هذه الثقة والموظف يضرب أخماسا في أسداس حول ما يتردد من شائعات حول قانون العمل المنتظر وقانون التقاعد المنتظر وما بينهم من قرارات وممارسات إدارية.
يأتي كل ذلك بعد سنوات عجاف بانتظار الترقية والعلاوات الاستثنائية، سنوات نما فيها كل شيء إلا الراتب، وازدادت الحياة غلاء وارتفعت تكلفة البترول والكهرباء والماء الثالوث الأساسي في كل بيت، ومن ثم ضريبة القيمة المضافة وما سيأتي لاحقا في هذا السياق.
السؤال الذي يمكن أن نطرحه هنا: كيف يمكن تعزيز بيئة العمل بالإيجابية والاستقرار وإنعاش روح العاملين بما يدفعهم للمثابرة وتعزيز الإنتاجية؟ قد تكون الإجابة سهلة وفي كلمة واحدة وهي “الترقيات” والحفاظ على الامتيازات المكتسبة والمزيد من الشفافية والوضوح، لكن ماذا إن كان ذلك صعبا في الوقت الحالي كما يدعي الاقتصاديون وأهل المال؟
الموظف يحتاج من يستمع إليه ويصحح مساره الوظيفي ويسكنه في منزلته المكتسبة إما بخبرة أو مؤهل دراسي أو حتى بتميزه في جانب معين، الموظف بحاجة لترقية طال انتظارها، وقبل ذلك يحتاج لأن يشعر بالثقة والاستقرار حتى يستطيع أن ينجز ويبدع، ونحن على ثقة أن الجميع على قدر من المسؤولية للقيام بواجباتهم على أكمل وجه، لكن في المقابل يجب أن تعطى الحقوق كاملة لأصحابها، ولا مانع من الانتظار إن كانت هناك في الأفق بوادر لتصحيح المسار نحو الأفضل.