عائشة بنت عبدالله المجعلية
باحثة تربوية ومدربة
هذا لص وهذا فاسد وذاك وجب محاكمته .. يصدحون من منابرهم الخاصة بما لم يحيطوا به خبرا، يبحرون في تأويلاتهم ، يضعون الافتراضات ويسنون القوانين، وكل في فلك يسبحون ..
لست بصدد الدفاع عن أحدهم ولا أرجو لذلك سبيلا، ولست بذات اختصاص في قضايا الفساد، وباعي ليس طويلا في مناوشات الاتهام، لكنني أُدرك كم أن الأمر مُجحف ومُرهق بحق وطني..
وطني الذي ما انفكّ يُقاوم التبعات والتحديات القادمة، لا ذنب له في إخفاقات بعضهم، لا ذنب له في اختلاساتهم وفسادهم. وكل الذنب لنا في تناهشهِ ومضغهِ في الهاشتاقات والمسجات والمقالات المقفرة والعارية إلا من التهكمات الغريبة عنا دينا وخلقا (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُت ).
مهلاً مهلاً على وطني، رويداً رويداً بالله عليكم، ما هكذا تورد الإبل ..، قضايا الفساد لها مؤسساتها الشرعية ورجالاتها الثقات وأطرها القانونية ، وأنظمتها الممنهجة ، ومقالي هذا لن يقف على باب تفاصيلها بل على باب واجباتنا..
نحن السند والمتن في منصات التواصل الاجتماعي- وتحديدا في منصة تويتر – ماذا عسانا فاعلين؟! أنتغنى بالوطن رخاءً ونندبه في الخطوب ؟..ألسنا بهجته، وثغره الباسم، سيفه الباسل وقلمه الناصر؟!
المشاعر المكبوتة حسرة والنقاشات المفضية إلى أهواء شخصية ليست بذات جدوى، كم قضيّة انتصرت بالثرثرة، وكم وطنًّا تعمّر بالتذمر والتشكي وإحباط الهمم؟ وكم جيلًا تعلم وتربى باللغو والجدال العقيم؟
أعينوا الوطن بالحلول الممكنة، بالتطبيقات المهنية، بأفكاركم الأصيلة، بالكلمة الحق، بالمؤازرة والتأييد، فما خُذل وطنٌ أنتم ميمنته. وإن كنّا في سنين القِلة، فلا بأس، فالصبرُ عليها مكرمة.
وطننا إن تعثر فلن يقف، وما يجفُ هنا ينهمرُ هناك وما يصفرُّ اليوم يخضرُّ في موسمٍ قادم -نحنُ جميعا- وطنًا وحكومة وشعبا على الصلاح ماضون..ولنا في ذلك شواهدُ كثيرة، فلا شيء يصدقك كما التاريخُ فاعل، وأحداثُ اليوم هي تاريخ الغد، فانظروا ماذا تسطرون.
..
رويدا رويدا ..فأنتم تكتبون ومستقبلنا الواعد يقرأ، مجتمعنا الفتي الذي يمثل أشباله دون الـ15 عاما ما نسبته 15% من سكانه هم في مرحلة النشأة والبلورة، كيف لنا تعزيز انتمائهم وغرس المواطنة في نفوسهم، وتربيتهم على الولاء والمحبة وهم على التذمّر والتظلّم يصبحون ويمسون.؟!
يتأثرون بكم ويرددون ما تقولون، جهلوا جوهر الأمر وقضيته وعرفوا قشرته، عرفوا الفساد، الظلم، القحط، والفقر… هم أصغر من تحليل الأحداث واستقراء المجريات، فكم من السهل تغذيتهم بمشاعر سلبية من كاتب حانق، وكم من اليسير تعزيزهم وتوجيههم ضد ثقافة التشاؤم والانهزامية واستشراق مستقبل أفضل من كاتب متفائل ، منهجه في ذلك ( وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً).
لا تهمشوا دوركم في تربية المواطنة ، ولا تركنوا للمؤسسات التربوية التعليمية فقط ،فالإعلام بكل منافذه ليس متصادما مع قيمنا التربوية والوطنية بل مكملا ورافدا أساسيا، فهو الأسرع انتشارا والأقوى تأثيرا في بلورة الأفكار والقيم وتفعيلها وديمومتها، لا نجزم بذلك نظريا بل أكدته الكثير من الدراسات البحثية التي تناولت مدى تأثير شبكات التواصل الاجتماعي ( تويتر نموذجا ) في تعزيز قيم المواطنة، سأفصل لكم نتيجة واحدة أوردتها دراسة للزميل الباحث حميد السعيدي ، 2019 ( إن مستوى تأثير شبكات التواصل الاجتماعية على تعزيز أبعاد المواطنة لدى الشباب جاءت بمستوى كبيرة في إجمالي محاور الدراسة، حيث بلغ المتوسط الحسابي 3.98 ) وهي نسبة كبيرة جدا كما فصلتها الدراسة .
وأخيرا: الوطن لا يطالبك أن تكون المسؤول والمحامي والقاضي، ولا أن تكون خبيراً، حصيفاً وحاذقاً في كل قضية. يعفيكَ بل يستثنيك من كل أمرّ لستَ ضليعاً فيه، وليس لكَ حول ولا قوة فيه..
لكنهُ يُطالبك بكثيرِ المساندة وعظيم الامتنان وجُلّ التقديرِ والهِمّة…يطالبُكَ بالثبات في الأزمات وتعزيز الهمم وشحذها، باليقين التام التام بأنها مرحلة عبور؛ فأعنهُ عليها بما استطعتَ إلى ذلك سبيلا.