المقال للكاتب: viet thanh Nguyen
ترجمة: بدر ناصر الجابري
عندما ألقي محاضراتي في حرم الجامعة، فإن أصعب سؤال يطرح عليّ هو:” “أريد أن أحقق حلمي، لكن والداي يريدان مني أن أفعل شيئًا مختلفًا. ماذا يجب أن أفعل؟
يمكنني أن أربط هنا بين ما كان سيجعلني سعيدًا كشاب في أن أكون كاتبًا وأدرس الأدب، وما كان سيجعل والديّ سعداء في أن أصبح طبيبًا مثل أخي، الذي ذهب إلى هارفارد وستانفورد، كيف يمكنني أن أعود إلى المنزل لوالدي اللاجئين، اللذان يعملان سبعة أيام في الأسبوع في محل بقالة، وأخبرهما بأنني أريد أن أقرأ لجين أوستن والشعراء الرومانسيين، وأن أتخصص في اللغة الإنجليزية، وهي لغة لم يتحدثا بها داخل البيت؟
في النهاية، أخبرت والديّ أنني تخصصت في اللغة الإنجليزية، لكنني لم أكن مستعدًا في البداية لإخبارهما أنني أريد أن أصبح كاتبًا؛ لكي لا يذهب الموضوع أبعد من ذلك. كانت وظيفتي اليومية أستاذًا، وكانت وظيفة أحلامي في أن أكون كاتبًا، وهو حلم استهلك فيني الليالي وعطلات نهاية الأسبوع والصيف، نعم كان الأمر مرهقًا، ولكنه لا يقارن بالتضحيات التي قدّمها لي والداي، فلم أكن أتوقع أن يقرأ والداي كتبي، حيث كان قبولهم لخياري في أن أصبح أستاذُا كافيُا بالنسبة إليَّ، ثم حدثت المفاجأة ذات يوم وقدمت لهم ما لم يتوقعوه: رواية.
ماذا يحدث عندما يكون تعريف آبائنا للسعادة يجعل من سعادتنا مستحيلة؟ غالبًا ما يكون الشباب الذين يسألونني هذا السؤال هم من الأمريكيين ذو الأصول الأسيوية، مثلي تمامًا، ولكن عندما طرحت هذا التساؤل في صفحتي على وسائل التواصل الاجتماعي، تفاجأت بكمية الردود والاستجابة لمختلف الأشخاص من خلفيّات وجنسيات مختلفة وثقافات متعددة، كثير منهم ناجحون ومبدعون، شاركوا في ردودهم بتجاربهم ونصائحهم، نعم لا يوجد حل واحد يتناسب مع الجميع ويلائمهم، حيث تختلف الظروف والموارد والفرص على نطاق واسع، كما هو الحال في اختلاف دوافع الآباء في محاولة توجيه أطفالهم نحو مهن ووظائف معينة أو ابعادهم عنها قدر الإمكان.
بالإضافة إلى القلق على معيشة أطفالهم، يحاول الآباء حمايتهم من آلام الفشل والاخفاق، فإذا كان الأمر كذلك، فهم على حق، فلا خطر أكبر من الفشل والعوز، بالإضافة إلى ذلك يعتقد الكثير منا أن السعي وراء أحلامنا سيجلب السعادة، لكن ربما لن يحدث ذلك، فقد استغرق الأمر مني أكثر من عشرين عامًا من النضال لأصبح كاتبًا، ومن جهة أخرى ربما كان الأمر قد تطلب مني عشرين عامًا من النضال أيضا لأكتشف أنني لستُ كاتبًا، أليس هذا جزء من لعبة القدر؟
بمجرد أن نقرر متابعة شغفنا، ما هي أفضل طريقة للمضي قدمًا؟ هنا أستعرض لكم بعض الاستراتيجيات التي حصلت عليها من أصدقائي ومعارفي.
فقط اسعى لتحقيقها
أرادا والدا يوكو شيميزو حياة تقليدية مناسبة لها، فالتحقت بالجامعة في طوكيو للحصول على شهادة جامعية في مجال الإعلان، فبعد أن بلغت (٣٣) من عمرها استقالت من وظيفتها في العلاقات العامة من احدى الشركات الكبيرة، وتركت موطنها الأصلي اليابان، وهاجرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتصبح فنانة، وأوضحت قرارها بهذه الطريقة قائلة: “في النهاية سيتوفى والداك، وعليك أن تعيش حياتك بنفسك”.
التعايش مع الاختيار
أخبرتني أدريانا راميريز أن والديها غير راضيين، ولن يكونا كذلك؛ بسبب اختياري في أن أكون “شاعرة” ولكنهم متعايشين مع هذا الاختيار لأنهما ببساطة يحبانني.
الصدق مبالغ فيه
هناك استراتيجية ينصح بها الكاتب ضياء حيدر رحمن وهي: “الكذب”
في بعض الأحيان تكون هذه هي الطريقة الوحيدة لتجنب المواجهة غير المجدية، لقد كذبت كثيرًا على والديّ، فقد كان أبي كاثوليكي متدين يذهب إلى الكنيسة كل يوم، وأنا ملحد، ولكنني عندما آتي لزيارته، آخذه إلى الكنيسة ولا أقول له شيئًا عما أؤمن به. (ربما كذب علينا آباؤنا أيضًا).
الحزام والحمالات
تابع أحلامك، لكن قم بإعداد خطة احتياطية – تخصص مزدوج على سبيل المثال (تخصص لوالديك، وآخر لنفسك)، ويعد هذا أيضًا اعدادًا جيدًا بشكل عام لحياة إبداعية، وهذا ما فعلته أنا في تخصصي في المجال الأكاديمي كوظيفة يومية ارضاءً لوالدي، على أمل أن أتمكن في يوم من الأيام من تسمية نفسي كاتبًا.
الصبر
كثير من الأحيان يرغب الشباب في الحصول على ما يريدونه فوريًا، إلا أن الطريق إلى القبول من الوالدين قد يكون طويلًا، فقد نضطر إلى إرهاق والدينا تدريجيًا، كما فعل ماتي هوينه، حيث قال: “بدلاً من التصريح بأنني سأصبح فنانًا، صنعت الفن”. فقد اعتاد والديه على تسلق الإطارات وصناديق الكتب في مرآبهم؛ بسبب ما يصنعه ابنهم ماتي بعد تركه لكلية الحقوق، وقال: “أصبح الاستمرار في صنع الفن أمرًا عاديًا، ومصدر إزعاج في الوقت نفسه، لكنه أصبح في النهاية أمرا واقعيا بالنسبة لوالدي”.
أكد على استقلاليتك باحترام
غالبًا ما عمل الآباء – وخاصة المهاجرين- بجهد لا يصدق لخلق فرص لأطفالهم وعائلاتهم، ومع ذلك، يتوجب على بعض الآباء أن يتعلموا أن حياة أطفالهم ليست حياتهم، بغض النظر عما قدموه.
تقول الكاتبة كافيتا داس: “الاحترام هو المفتاح من خلال مساعدتهم على فهم أننا لا نتخلص من كل عملهم الشاق، ولكننا نكرّم عملهم الشاق؛ لأنهم سمحوا لنا بالسعي لملاحقة أحلامنا”.
من جانبه يقترح هيونه ((Huynh إعطاء أهمية أقل لموافقة الوالدين فقال: “قد يبدو عدوانيًا أن تقول أنه لا ينبغي لأحد أن يطلب الإذن، ولكن من اللطيف ألا تتوقع بركة أشخاص ليس لديهم خبرة، وينتابهم القلق فقط فيما يتعلق بأحلامك”.
الآن بعد أن أصبحت والدًا، أؤمن جدا أنني سأسمح لابني في أن يكون أي شيء يريده ويسعى لتحقيقه، مثل أن يكون كاتبًا أو فنانًا أو موسيقيًا.
“ماذا عن لاعب محترف لألعاب الفيديو؟” سألتني زوجتي، ترددت في الإجابة، ولكنني لا زلت عند ايماني في دعم أحلامه بالرغم من أنني أعلم أنه سيتوجب عليّ في يوم ما السماح له بالرحيل، كما أنني أثق في أنه سيتخذ الخيارات الصحيحة لنفسه، إذا قمنا بإعداده وتربيته بشكل صحيح. لقد قبل والداي من قبل اختياراتي في الحياة، وآمل أن يقبلوني، حتى لو كنت قد فشلت في السعي لتحقيق أحلامي. بعد كل شيء، لقد تعرضوا هم أنفسهم لمخاطر كبيرة، كلاجئين – تاركين عائلاتهم، وأصبحوا رؤساء أعمالهم بدلاً من قبول الوظائف التي كان من المتوقع أن يأخذوها، وقد استفاد هذا البلد من عملهم وتضحياتهم.
وأخيرًا يقدم الأطباء والمحامون والمهندسون مساهمات مجتمعية كبيرة، ومع ذلك، سنحتاج دائمًا إلى الشعراء والفنانين، والمعلمين، ورواة القصص، والحالمين، والمعارضين، والمجازفين.
المصدر: نيويورك تايمز
الصورة للفنانة ماريا ميديم