بقلم: جاي كازبيان كانج
ترجمة وتحرير: بدر ناصر
في كتابها الصادر عام ١٩٩٠ بعنوان “الخوف من السقوط” وصفت باربرا اهرنيتش كيف أدى العنف في المؤتمر الوطني الديموقراطي بشيكاغو عام ١٩٨٦م الذي تم بثه على نطاق واسع إلى تحوّل جذري فوري ودراماتيكي في طريقة التغطية الإعلامية. في الشهر الذي سبق الحدث وتحديدًا في الثامن عشر من أغسطس، هدد واستنكر عمدة المدينة ريتشارد دالي مختلف الجماعات الاحتجاجية المناهضة لحرب فيتنام التي كانت تخطط للتجمع والخروج للشارع، إلا أن تلك الجماعات لم ترضخ ولم تستجب لذلك التهديد والاستنكار فواصلت زحفها للتظاهر والاحتجاج؛ مما جعل العمدة مع قوات شرطته يتصدى لهم، ويهاجمهم بكل عنف في جرانت بارك. بعد نصف قرن يتكرر المشهد ويتردد صداه خلال احتجاجات جورج فلويد (حياة السود مهمة)، فقد قامت الشرطة بضرب واحتجاز وترهيب الجميع مرورًا بجماعات يوبييس (Yuppies) وهم أفراد حزب الشباب الدولي، وهو حزب فرعي ثوري راديكالي مضاد للثقافة الأمريكية، يستهدف الشباب من حركات حرية التعبير والحركات المناهضة للحرب في أواخر الستينات، إلى حزب اللوردات الشباب وهي منظمة حقوقية مدنية، إلى الصحفي دان راذر: صحفي أمريكي، ومذيع أخبار مسائي وطني سابق، وأصبح اسمًا وطنيًا بعد أن أنقذت تقاريره آلاف الأرواح خلال إعصار كارلا في سبتمبر 1961، وقد تعرض المراسل السابق لشبكة سي بي إس نيوز للضرب والطعن من قبل حراس الأمن أثناء محاولته مقابلة مندوب جورجيا في المؤتمر الوطني الديمقراطي في عام 1968. في كل من عامي 1968 و2020، صعدّت الصحافة انتقاداتها للشرطة وعمدة المدينة لتعرضهم للمحتجين والمتظاهرين بالعنف والضرب في الشوارع.
وبناءًا على ذلك فقد كتبت اهرنيتش: “أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت مباشرة بعد المؤتمر أن غالبية الأمريكيين – 56 ٪ – يتعاطفون مع الشرطة وليس مع المتظاهرين الملطخين بالدماء أو الصحافة. في الواقع، ما يمكن للمرء رؤيته من أحداث على شاشة التلفزيون لا يشبه الاحتجاج السلمي، بل الانهيار الفوضوي لمدينة كبيرة (فقط لأنه بمجرد أن بدأت الشرطة في الهياج والثوران، اختفت معها الكرامة). بين عشية وضحاها تخلت الصحافة عن احتجاجها، فكان الانهيار مفاجئًا وجبانًا، واستيقظت الصحافة الوطنية على وقع الاحتمال المزعج المتمثل في أنهم أصبحوا منفصلين عن شريحة كبيرة من الجمهور عندما بدأت الكثير من الملصقات بالظهور على الجدران والشوارع والحافلات تدعم عمدة شيكاغو وشرطته.
تحرك قادة وسائل الإعلام بسرعة لتصحيح ما أصبحوا يرونه الآن على أنه “تحيّز”، فقد شعروا أنهم كانوا متعاطفين للغاية مع الأقليات المتشددة (وهو حكم ربما تعارضه الأقليات)، فقرروا من الآن وصاعدًا، أنهم سوف يركزون على الأغلبية الصامتة – وهو وصف مشهور للرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون-
ستقدم الأشهر التالية المزيد من الأدلة على أن وسائل الإعلام قد أساءت تقدير اللحظة؛ فقد أظهر استطلاع أجرته صحيفة نيويورك تايمز بعد يوم واحد أن أغلبية “ساحقة” تدعم الشرطة في شيكاغو، في حين أفادت شبكة سي بي إس أن عدد الأشخاص الذين كتبوا إليهم رافضين تغطيتهم للأحداث بلغ عشرة أضعاف ما كُتب في الموافقة”.
وردًا على ذلك، أمضت وسائل الإعلام في السنوات القليلة، على حد تعبير إهرنريتش، تدرس بخوف وتهجس ذلك الجزء الغريب من أمريكا: “الأغلبية”. كانت المشكلة بالطبع هي أن نفس الأشخاص الذين اعتقدوا للتو أن العالم انتهى عند نهر هدسون هم الأشخاص أنفسهم الذين سيكلفون الآن باكتشاف كل شيء خارج ضفافه، ونتيجة لذلك فقد كانت تغطية وسائل الإعلام لـ “الأغلبية الصامتة” مجردة وشبه أسطورية؛ مما سمح بتشكيلها في كل ما هو أكثر ملاءمة.
الصورة للفنان alberto Miranda من مجلة النيويورك تايمز