د. حمد بن محمد الغيلاني
من خلال متابعة الأحداث على مدى الثلاثين سنة ماضية، ومنذ بداية تسعينات القرن الماضي، في الصومال وأفغانستان والعراق ولبنان وليبيا ومصر وسوريا واليمن، وغيرها كثير من الدول العربية والإسلامية، نجد أن الغرب الذي تقوده أمريكا بعضلاتها، وأوروبا وروسيا والصهاينة ومن تبعهم بفكرهم ومجهوداتهم المالية وحتى العسكرية، يعملون بشكل ممنهج لتدمير وتمزيق العالم الإسلامي والعربي، ليس في الجانب السياسي والاقتصادي فحسب، بل في الجانب الحضاري والإنساني والنفسي.
كما أن الآثار النفسية لهذا الدمار في البنية التحتية، وفي نوعية الأنظمة الدكتاتورية أو الجماعات التي تقود فيها، سواء الطائفية منها أو المتطرفة، نتج عنه شعور عام عميق بالإحباط وشعور بفقدان الأمل في حياة أفضل يسودها العدل والتقدم والرخاء، رغم أن معظم تلك الدول التي تم تدميرها أو يتم ذلك حتى الآن، تملك من الثروات الطبيعية والبشرية والرصيد الحضاري، ما يؤهلها أن تكون في مصاف الدول الأكثر تقدماً ورخاءً.
الأحداث الأخيرة في أفغانستان، وما شاهدناه من خروج القوات الأمريكية منها وسيطرة طالبان على مقاليد الحكم هناك، يطرح أسئلة كثيرة، ومنها أهم سؤالين، الأول: كيف سيطرت طالبان بإمكانياتها المحدودة على دولة تملك فيها أقوى القواعد العسكرية والإمكانيات المادية المتاحة؟، والثاني: هل تملك طالبان برنامجا سياسيا متقدما يُقدم للشعب الأفغاني أفضل الحلول الديمقراطية للتمكين والعدالة والحرية والتقدم والرخاء؟.
قد تكون بعض هذه الأسئلة إجابتها غير واضحة حالياً، لكن وفق المعطيات المتوفرة، خلال آخر مائة عام من الاستعمار الأجنبي لعالمنا العربي والإسلامي، يمكننا القول أن الغرب -وعلى وجه الخصوص أمريكا- لم يسلم أي بلد عربي أو إسلامي لأي فرد أو جماعة، إلا وقد صنعه بوحيه وعلى عينه، والأدلة على ذلك كثيرة، ومنها العراق واليمن ولبنان وسوريا وليبيا وغيرهم من الدول.
إن كل الأنظمة أو الجماعات أو المجموعات التي تحكم في هذه الدول المدمرة أو المنهارة نفسياً، هي أنظمة أو جماعات وضعتها أمريكا، أو أنها قبلت بها ورضيت عنها، ونحن هنا لا نستبعد أفغانستان وطالبان من هذه القاعدة، كما أنه من المعلوم أن طالبان خلال بدايات تأسيسها قد تكون صناعة أمريكية، ومع ذلك فإن احتمال الإنهاك الذي أصاب أمريكا في أفغانستان وخسارتها المادية والبشرية والعسكرية الكبيرة وخلال عقود، أدى إلى تفضيلها الخروج من أفغانستان وفق توافقات محددة بين طالبان وأمريكا، وبين طالبان والقوى الكبرى في المنطقة، كما أن الشعب الأفغاني معروف بصلابته وقوة صمودة أمام المحتلين، مما قد يكون سبباً في تحرر أفغانستان من السيطرة الأمريكية.
أما فيما يتعلق بالإمكانيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تقدمها حركة طالبان لوصول أفغانستان إلى نظام ديمقراطي متقدم تسود فيه الحرية والعدالة والمساواة والتقدم والرفاه وتداول السلطة للشعب الأفغاني، فنحن نستبعد ذلك، والأسباب هي أن أي متتبع لواقع العالم العربي والإسلامي خلال قرن من الزمن، يجد أنه لم تقدم أي جماعة أو مجموعة أو حزب، سواء كانت تلك المجموعة إسلامية أو علمانية أو قومية أو غيرها، لم تقدم أي تقدم يذكر مطلقاً، بل إن الأدلة على تقديم تلك المجموعات والجماعات والأحزاب نماذج محترمة للاستبداد والتخلف كثيرة جداً لا تكاد تحصى، بل نكاد نلمسها في كل بلدان العالم العربي والإسلامي.
أما النموذجان الوحيدان خلال قرن من الأحداث والتغيرات، الذين حدث فيهما تقدم اقتصادي وسياسي واجتماعي يذكر في عالمنا، هما النموذج الماليزي بقيادة مهاتير محمد في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، والنموذج التركي الذي قادة رجب طيب أردوغان خلال بداية هذا القرن وحتى الآن، وكلا النموذجين لم يقوما على أسس أيديولوجية إسلامية أو علمانية أو غيرها، ولكنهما قاما على برامج علمية عملية متقدمة للتقدم والرخاء وخدمة الإنسان، بعيداً عن الأحزاب والجماعات المختلفة.
وخلاصة القول في أفغانستان والعالم العربي والإسلامي ومن خلال تتبع أحداث قرن بأكمله، فإن كل التجمعات ذات الصبغة الدينية أو العلمانية، والأحزاب والجماعات الإسلامية منها وغير الإسلامية، أثبتت سجلاً طويلاً حالفاً بالفشل في إدارة أي دولة وتقدمها في العالم العربي والإسلامي، ولم تقدم الأنظمة الدكتاتورية ولا الجماعات الإسلامية أو العلمانية لعالمنا العربي والإسلامي حلولا ممكنة ننافس بها الدول المتقدمة في العدالة والحرية والتقدم، بل فشلت بعض تلك الأنظمة في حل أبسط المشكلات التي تعاني منها بلدانها، رغم إمكانيات تلك الدول وثرواتها الهائلة، ومنها مشاكل التوزيع العادل للثروات، وحل مشكلة البطالة، والاستغلال الأمثل للثروات ومحاربة الفساد، بل وفشلت بعض الدول التي تقودها بعض الدكتاتوريات أو الجماعات من حل مشكلة القمامة، مما أدى إلى اختلاط روائح القمامة، بروائح الفساد المالي والإداري، والفقر والجوع والتخلف.
قد تتقدم أفغانستان أو أي دولة عربية أو إسلامية، وهذا ليس بالأمر المستحيل، وقد نصل إلى قمة التقدم والرخاء بما نملك من عقول وإمكانيات، لكن وفق نظم تتحقق فيها مبادئ العدالة والمساواة، بعيدا عن الشعارات التي أهلكت الحرث والنسل، وتقدمنا خلالها سنوات ضوئية نحو التخلف والتبعية، كما أننا على يقين أيضاً أن أي تقدم لن يحدث برعاية غربية أمريكية، فهذه الأنظمة سعت جاهدة منذ قرون للتدمير وزرع الفتنة والشقاق بيننا، الممكن الوحيد للتقدم هو الإنسان العربي والمسلم بإرادته الحقيقية للتغيير، وفهمه لحقوقه وواجباته، حفظ الله أفغانستان وشعبها، ووفق أهلها للخير والصلاح والتقدم.
*الصورة من محرك البحث العالمي (جوجل)