فيصل الراشدي
هذه الرحلة إلى أوزبكستان لم تكن كسابق السفرات لي لأنها أتت في وقت استثنائي، حيث أن عباءة كوفيد القاتمة مازالت تلف العالم جميعه، فتجد بعض الدول تزيح شيئا من العتمة ليومض في أفقها وميض نور الصحة والتعافي، وامتد تأثير هذا الفيروس إلى خطوط الطيران الذي جعل السفر من مسقط مكلف جدا، فلابد من البحث عن بديل، وكان مطار الشارقة وطيران العربية خيارا اقتصاديا وموفرا جدا.
وصولنا إلى “طشقند” كان في الساعة الثانية صباحا، المطار شبه خالٍ من المسافرين إلا رحلتنا التي أنهت إجراءات المسافرين بشكل سريع وسلس أما نحن فقد تأخرنا للتأكد من صحة تذاكر العودة بالتواصل مع شركة الطيران، لأننا ندخل بدون فيزا لمدة عشرة أيام.
التقى بنا أبو عائشة ليأخذنا إلى الفندق، وقف ينتظر الحقائب فأخبرناه أنه ليس معنا إلا هذه التي بأيدينا، بدت علامات الاستغراب على وجهه لأنه اعتاد أن يسافر الخليجيون بحقائب كبيرة.
الساعة الثامنة، هذا الوقت المتفق عليه ليأتينا في الفندق، لكنه قال سوف آتيكم بعد الظهر ولتناموا قليلا، أجبناه “لم نأت هنا لننام”، مفاجأة أخرى لم يعتدها من السياح العرب.
في اليوم الأول انطلقنا باتجاه أول معلم تاريخي، يسمونه حضرت إمام وهو مقام وجامع ومتحف ومدرسة، ترجع بك إلى فترة تيمور لنك، القباب اللازورية والفسيفساء المتقنة مع الخط القرآني والأشكال الهندسية.
متحف موي مبارك يضم مصحف عثمان بن عفان الذي قتل ولطخ بدمه، المصحف أكثر ما يميز المكان لأنه وضع في صندوق زجاجي مع حراسة مشددة ومنع التصوير، كل محاولة للتصوير تواجهها نظرات كخنجر مغولي تمنعك عن التقاط الصورة، التفاوض غير مجدي لأن اللغة كانت سدا منيعا بيننا.
المقصد الثاني طريق الحرير، وهو بازار تشورسو أو الطرق الأربعة، أقدم بازار بوسط آسيا، القبة الضخمة التي تغطي السوق تأسر الزائر وهي تتألق تحت السماء الزرقاء بجمالها.
السوق تجربة لتعيش واقع الشعب وتعرف منتجاتهم، فواكه متعددة ولحوم الحصان المميزة والمكسرات والبهارات بألوانها وروائحها ترجعك إلي طريق الحرير، والخبز الذي يجمع بين جمال المنظر وكأنه تحفة فنية نقشت بعناية باهرة، ورائحة طازجة تخرج من الأفران اليدوية، خبز ساخن برائحة عبقة، تحتاج لكوب كرك لم نجده معهم، ولكن نعيش تجربتهم.
المحطة الثالثة متحف تيمور لنك، الشخصية المثيرة للجدل، يعتبره أهل البلد فاتحا ورجلا أعاد بناء سمرقند وأسس المدارس والمساجد فهو قديس، بينما ينظر إليه العثمانيون والأتراك بأنه مجرم حرب دمر الدولة العثمانية وأسر حاكمها وبنى أبراجا من جماجم قتلاه، وأسس امبراطورية امتدت إلى الهند وحفيده بنى تاج محل، هكذا التاريخ ما تراه فتحا يراه غيرك استعمارا.
المتحف يضم نسخة مقلدة لمصحف عثمان لأن الأصلية في متحف موي مبارك، وصورا لتيمور لنك وأدوات واسلحة ولوحات فنية.
المحطة الرابعة في متحف تاريخ الدولة، وهو متحف يعود بك إلى العصور الحجرية وينقلك في تاريخ اوزبكستان مرحلة مرحلة إلى العصر الحديث، المتحف يضم آثارا مثيرة لكل حقبة تاريخية والديانات التي تمثلها.
المحطة الخامسة نحو أشهر مطعم بيش قوزان يقدم لك الطبق الأوزبكي الأشهر ويدعى البلوف، قدور عملاقة كبرك مائية مملوءة بالأرز والجزر الأصفر والبرتقالي مع لحم الحصان والبيض وبيض السمان! لحم الحصان هو التجربة المميزة لدينا، أطباق الأرز متنوعة وبألوان مختلفة.
المحطة السادسة، طلبنا من المرشد الذهاب إلى المترو الذي يعود للحقبة السوفيتية، كان الطلب غريبا عليه لأن عادة العرب لا يطلبونه، الهدف مشاهدة المحطات وجماليتها حيث كان ممنوع التصوير فيها وسمح قبل ثلاث سنوات، فالمحطات تجمع بين جمود الاشتراكية وتألق الفن الأوزبكي الإسلامي القديم ذات الفسيفساء الزرقاء والأزوردية.
الفترة المسائية قضيناها في حديقة طشقند سيتي بالقرب فندق هيلتون، كثرة المتنزهات والحدائق أمر ملفت في طشقند، في المساء كانت النافورات الراقصة مع الأضواء في مبنى الفندق أمر جذاب ومثير للكثير من الزوار.