محمد عبده الزغير محمد [1]
منذ تأسيس منظمة الامم المتحدة سنة 1945 قامت المنظمة بإنشاء نظام لحماية حقوق الإنسان، يتركز في عددٍ من المواثيق، والصكوك التي تعتمد من أجل تنفيذها على نوعين من الآليات: تعاهديه وغير تعاهديه، فالآليات التعاهدية لحماية حقوق الإنسان: هي اللجان التي تعهد لها الاتفاقيات الدولية بمراقبة تنفيذ الدول، لالتزامها بموجب التصديق على الاتفاقية الدولية. وقد تبنت الأمم المتحدة – من بين العديد من اتفاقيات حقوق الإنسان- (9) اتفاقيات أساسية تنص صراحة على وجود آليات للتطبيق، وتتمثل في إنشاء عدد من اللجان لمتابعة تنفيذ التقدم المحرز من قبل الدول لهذه الاتفاقيات، ومنها لجنة حقوق الطفل، ولجنة القضاء على التمييز ضد المرأة، ولجنة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة… وغيرها من اللجان.
أما الآليات غير التعاهدية لحماية حقوق الإنسان: فهي آليات ليست منبثقة عن معاهدات، وانما تشكلت استنادا إلى ميثاق الأمم المتحدة، وتتضمن هيئات الميثاق لجنة حقوق الإنسان (سابقا) أي مجلس حقوق الإنسان (حاليا) والإجراءات الخاصة، وإجراء تقديم الشكاوى الخاص بمجلس حقوق الإنسان. ويعتمد مجلس حقوق الانسان في مراجعته لحقوق الانسان في الدول على تقارير الاستعراض الدوري الشامل.
فقد أُنشئ الاستعراض الدوري الشامل عندما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، إنشاء مجلس حقوق الإنسان في 15 آذار/ مارس 2006 بواسطة القرار 60/251. وأناط هذا القرار بمجلس حقوق الإنسان “إجراء استعراض دوري شامل يستند إلى معلومات موضوعية وموثوق بها لمدى وفاء كل دولة بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان على نحو يكفل شمولية التطبيق والمساواة في المعاملة بين جميع الدول”. ويجري استعراض تقارير جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مرة كل أربع سنوات.
وتجدر الإشارة هنا بان مجلس حقوق الإنسان هو هيئة حكومية دولية داخل منظومة الأمم المتحدة مسؤولة عن تدعيم تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها في جميع أرجاء العالم وعن تناول حالات انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم توصيات بشأنها. والمجلس لديه القدرة على مناقشة جميع القضايا والحالات المواضيعية لحقوق الإنسان التي تتطلب اهتمامه طوال العام. والمجلس مؤلف من 47 دولة عضواً في الأمم المتحدة تنتخبها الجمعية العامة للأمم المتحدة.
والاستعراض الدوري الشامل هو عملية فريدة تنطوي على استعراض سجلات حقوق الإنسان الخاصة بجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة مرة كل أربع سنوات. ويعتبر الاستعراض الدوري الشامل ابداعا هاما من قبل مجلس حقوق الإنسان يستند إلى المساواة في المعاملة بين جميع البلدان. ويوفر الاستعراض فرصة لجميع الدول للإعلان عن الإجراءات التي اتخذتها لتحسين أحوال حقوق الإنسان في بلدانها والتغلب على التحديات التي تواجه التمتع بحقوق الإنسان.
تستند آلية الاستعراض على ثلاثة وثائق أساسية، وهي: التقرير الوطني الذي تقدمه الدولة، وتقرير تجميعي لتقارير خبراء وأفرقة حقوق الإنسان المستقلين المعروفين باسم المقررين الخاصين والهيئات المنشأة بموجب معاهدات حقوق الإنسان وكيانات الأمم المتحدة الأخرى، وتقرير من أصحاب المصلحة الآخرين ومن بينهم المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. وهذا يدل على تشارك الأطراف المختلفة في معلومات تقارير الاستعراض. وفي أعقاب المناقشات العامة يتم إعداد تقرير النتائج الذي يتضمن التوصيات الختامية.
كما يتضمن الاستعراض الدوري الشامل تقاسما لأفضل ممارسات حقوق الإنسان في مختلف أنحاء الكرة الأرضية. وعليه فأن عملية الاستعراض ليست مواجهة مع الدولة وليست محاكمة للدولة وإنما هي عملية تعاونية أساسها الحوار البناء والتفاعل يتم من خلالها تقييم التطورات الايجابية في الدولة والتحديات الني تواجهها. [2]
قدمت السلطنة – شأنها شأن كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة – ثلاثة تقارير دورية حتى ألان، واستعرضت تقريرهـا الـوطني الأول المتعلق بالاستعراض الدوري الشامل، في مجلس حقوق الانسان في 26 ينــاير2011م، وترأس وفد عمان الوزير المسؤول عـن الشؤون الخارجية، يوسف بن علوي بن عبدالله، وتم اعتماده في 7 يونيو 2011م. وتناول التقرير الموضوعات الرئيسية التالية:
- مقدمة؛
- المنهجية والعملية التشاورية المتبعة في إعداد التقرير الوطني،
- الهيكل المؤسسي لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها،
- تعزيز وحماية حقوق الإنسان على المستوى الوطني،
- الممارسات الجيدة والمبادرات والمساعدة التقنية،
- التعهدات الطوعية،
وقد تلقت السلطنة (166) توصية، حيث قبلـت السـلطنة بــ (103) تعهـدا طوعيـا وأخـذت بعـين الاعتبار (51) توصـية لمزيـد مـن الدراسـة، ورفضت (12) توصية التي لا تتوافق مع الأديان السماوية، وتشريعاتها الوطنية وقيمها الحضارية.
واستعرضت السلطنة تقريرها الوطني الدوري الشامل (الثاني) في 5 نوفمبر 2015م، وتم اعتماده في 17 من مارس 2016م. وتـرأس وفـد عُمـان وزيـر الشـئون القانونيـة، عبـدالله بن محمـد بن سـعيد السـعيدي. وتناول التقرير الموضوعات الرئيسية التالية:
- المقدمة؛
- منهجية متابعة الاستعراض وعملية إعداد التقرير،
- التطورات في الإطار الدستوري والمؤسسي لتعزيز وحماية حقوق الإنسان،
- التطورات في مجال الأجهزة الحكومية والهيئات الرسمية المعنية بحقوق الإنسان،
- الآليات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان،
- جمعيات المجتمع المدني والنفع العام،
- السياسات والاستراتيجيات الوطنية،
- التعهدات الطوعية والتوصيات المقبولة في الدورة الأولى للمراجعة الدورية الشاملة (2011)،
- التحديات والأولويات،
- الخاتمة والملاحق.
وقد تلقت السلطنة (233) توصية، حيث قبلت ب (169) توصية بين قبول وقبول جزئي. فيما احيطت علما ب (28) توصية، بينما لم تحظ (36) توصية بالتأييد، إما لكونها متعارضة مع الشريعة الإسلامية أو مع قوانين السلطنة وثقافتها أو لكون التوصية سابقة لأوانها مثل المطالبة بالتصديق على البروتوكول قبل الانضمام للمعاهدة أو لأن التوصية لا تصف الواقع في عمان بدقة.
واستعرضت السلطنة في 21 يناير 2021م تقريرها الوطني الدوري الشامل (الثالث)، حيث تم اعتماده في 8 يوليو 2021، وتـرأس وفـد عُمـان وزيـر العدل والشـنون القانونيـة، عبـدالله بن محمـد بن سـعيد السـعيدي. وتناول التقرير الموضوعات الرئيسية التالية:
- المقدمة؛
- المنهجية والعملية التشاورية المتبعة في إعداد التقرير الوطني،
- التطورات في الإطار المعياري والدستوري والمؤسسي لتعزيز وحماية حقوق الإنسان،
- الإجراءات المتخذة لتنفيذ توصيات الدورة الثانية للمراجعة الدورية الشاملة،
- الإنجازات وأفضل الممارسات،
- التحديات والأولويات،
- التعهدات الطوعية،
- الخاتمة،
وقد تلقت سلطنة عمان (264) توصية أيدت منها (208) توصية وأحاطت علما ب (49) توصية بينما حظيت (7) توصيات بتأييد مع إحاطة بالعلم (تأييد/أحيط بها علما) وهو دليل على تفاعلها الايجابي مع هذه الآلية.
ويلاحظ من أعلاه أن السلطنة التزمت بتقديم تقاريرها الدورية الشاملة الثلاثة في المواعيد المحددة، ووفقاً للمبادئ التوجيهية التي أعتمدها مجلس حقوق الإنسان، وهي مبادئ موحدة لكل الدول. وهذا يتضح في تقارب موضوعات التقارير الثلاثة.
كما أن تأييد السلطنة لما يقارب 80 % من التوصيات يأتي انسجاماً مع التعديلات في النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني (6 / 2021) التي كفلت عدد واسع من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث يجري حاليا ادخال تعديلات على عديد من القوانين والتشريعات بما ينسجم مع النظام الأساسي للدولة.
وتجدر الإشارة بأن وزارة التنمية الاجتماعية، تشارك بفعالية أكبر في عملية إعداد التقارير الدورية الشاملة ومناقشتها، ضمن فريق عمل الذي يضم ممثلين من وزارت الخارجية، والعدل والشؤون القانونية… وغيرها من الوزارات والجهات الحكومية والأهلية. ويعود ذلك إلى متابعتها تنفيذ ثلاث اتفاقيات رئيسية من الاتفاقيات الأساسية لحقوق الإنسان، وهي اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى البرتوكولين الاختياريين الملحقين باتفاقية حقوق الطفل بشأن إشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، وبشأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية.
[1] خبير شؤون الطفولة بوزارة التنمية الاجتماعية بسلطنة عمان.
[2] قارن موقع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، https://www.ohchr.org/AR/HRBodies/Pages/HumanRightsBodies.aspx