صلاح بن مبارك بن حمد الحسني
حفيد القاضي عبدالله بن سعيد بن عيسى السمي
مُقدمة
حين شرعتُ في الكتابةِ عن الحِبرِ البحر الحُجّة الشيخ عبدالله بن سعيد بن عيسى السَمّي الجعلاني ظننتُ أنني سأكتبها في دقائق و في ما لا يتعدى صفحتين وذلك لقلة المصادر التي تذكرهُ لكنني تفاجئت أن السيرة مع ملاحقها بلغت أكثر من 25 صفحة و أكثر من 6 آلاف كلمة، و لعمري فما أظن أن طول السيرة أمرٌ مستغرب، فهذا العلامة حتى و إن لم تنصفه المراجع و تتحدث عنه الكتب فإن أخباره لا تزال تنتقلُ من جيل إلى آخر، فحريٌ بأحفاده أن يأخذوا على عاتقهم همّ الكتابة عنه و توثيق سيرته و تسجيلها.
وفي هذا المبحث حاولت جاهدا تجميع كافة المعلومات التي تمكنتُ من الحصول عليها ونسقتها بأسلوب كتابة السيرة الغيرية فإبتدأتُ باسمِ الشيخ و نسبه مرورا بذكر والديه و أسرته و مراحل عمره و أهم الأحداث التي عاصرها و صفاته و أخيرا وفاته مستخدما عدة أدوات بحثية من مقابلات شخصية و مراجع و وثائق. فأرجو أن يجد القارئ الكريم فيها المادة العلمية والتاريخية ذات الفائدة.
والله ولي التوفيق،،،
بقلم: صلاح بن مبارك بن حمد الحسني ،حفيد القاضي عبدالله بن سعيد بن عيسى السمي
اسمه ونسبه
\
الشيخ عبدالله بن سعيد بن عيسى بن راشد بن أحمد بن رجب بن حديد بن ربيع بن مسعود السمّي الجعلاني، و تذكر الموسوعة العمانية أن أصله من وادي بني خالد و أنتسب إلى جعلان لطول إقامته فيها من بعد أن تولى القضاء فيها زمن الامام عزان بن قيس ( 1868-1871م) إلى وقت وفاته.
والده
الشيخ سعيد بن عيسى بن راشد بن أحمد بن رجب بن حديد بن ربيع بن مسعود السمي وقد أورد الشيخ سعيد بن عيسى نسبه هذا في حرد متن كتابين مخطوطين ( مخطوطة / إيضاح نظم السلوك إلى حضرات ملك الملوك الذي كان تمام نسخه في 7 صفر 1274هجري ، و مخطوط صراط الهداية الذي أتم نسخه في 20 رجب 1279 هجري) و بذلك يتضح لنا جليا أن الشيخ سعيد بن عيسى السمي عاش في القرن الثالث عشر الهجري الموافق للقرن التاسع عشر الميلادي.
لا تذكر المصادر المكتوبة عن سعيد بن عيسى السمي شيئا عدا ما أثبته هو عنه بنفسه في حرد متن المخطوطين المشار إليهما أعلاه حيث أوضح فيهما نسبه كاملا و أنه نسخ الكتابين لنفسه و تلك أشارة عن أنه كان مقتدرا و يمتلك كل ما يمكنه من إتمام عملية النسخ، غير أن سيرة سعيد بن عيسى السمي نجدها في المصادر الشفوية التي لا تزال تتداول شيئا من ذكره إضافة إلى تقييدات لحفيده سعيد بن حمد بن عبدالله بن سعيد بن عيسى الذي قام مشكورا بتدوين شيئا من سيرة سعيد بن عيسى و الذي أخذه مباشرة من بعض المعمرين في فترة الثمانينات و التسعينات ومنهم الحجي محمد بن ناصر بن سالم الشعيبي (ود بن كدير) و غابش بن تون الشعيبي حيث تذكر التقييدات التي دونها العم سعيد بن حمد أن سعيد بن عيسى بن راشد السَمّي كان يسكن قرية حلفا بوادي بني خالد و كان له فيها “مبرز أو برزة” و المبرز مفردة محلية يستخدمها أهل عمان للإشارة الى المجلس الذي عادة يكون أمام الحصن او منزل الحاكم و يتم فيه عقد جلسات للاستماع الى مشاكل الناس و مناقشة حاجاتهم.
لا يُعلم كيف تحصل سعيد بن عيسى للعلم و من أي من العلماء أخذ العلم ومع من العلماء كان مجالسا غير أنه لابد من الأشارة إلى أن الفترة من عام 1250 هج – 1350 هج تعتبر ذروة الإنتاج العلمي في عُمان حسب الأحصائية التي قام بها الباحث سلطان الشيباني ( عدد جريدة الرؤية 6 نوفمبر 2017م) و ما هو جدير بذكره هنا هو أن سعيد بن عيسى السمي كان قد عاصر الشيخ ناصر بن أبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي (ت:1846م) وليس بمستبعد أن يكون سعيد بن عيسى السمي قد تتلمذ على يد العالم الرباني ناصر بن أبي نبهان الخروصي خاصة أن مخطوطة ( نظم السلوك الى حضرات ملك الملوك ) قام سعيد بن عيسى بنسخها بعد عشر سنين من وفاة الشيخ ناصر بن جاعد وكذلك بعد احدى وثلاثين عاما من انتهاء المؤلف من تأليفه لكتاب “نظم السلوك” مما يعني انها اقرب نسخة الى النسخة الاصل. فقد ذكر الدكتور وليد خالص ان النسختين اللتان اعتمد عليها الدكتور وليد خالص في تحقيق الكتاب كانت الاولى هي النسخة الاصل وكان تأليفها عام ١٢٤٣ هجرية و النسخة الثانية هي مخطوطة تم نسخها عام ١٢٨٨ هجرية ولم اطلع الى الان على نسخة اخرى بعد نسخة المؤلف الا على النسخة هذه التي نسخها سعيد بن عيسى السمي عام ١٢٧٤ هجرية الموافق ١٨٥٧ ميلادي و من هنا يتضح لنا أن سعيد بن عيسى السمي كان مجدا مجتهدا في تحصيل العلم و الاهتمام بأحدث ما أنتجه علماء زمانه من كتب.
جلس سعيد بن عيسى السمي في مبرزه قاضيا شرعيا يحكم فيما يعرض عليه من قضايا ودعاوى ومفتيا كذلك فيما تأتيه من مسائل شرعية وفقهية و معلما ينفع الناس بما آتاه الله من علم و مصلحا و مرشدا إجتماعيا و دينيا يرشد الناس وينصحهم و يحثهم على التآخي و ترك الخصومات فيما بينهم. كما و أنه أهتم بالنسخ حيث أنه توجد لدينا بين أيدينا المخطوطتين المشار إليهما أعلاه و اللتين نسخهما سعيد بن عيسى لنفسه. كما و أنه أمتهن مهنة صياغة الفضة التي إنتقلت بعدها الى ابنه الشيخ عبدالله بن سعيد السمي.
ويبدو من خلال تقييدات العم سعيد بن حمد أن الشيخ سعيد بن عيسى كان قد تزوج بامرأة من بنات أعمامه لم استطع التوصل الى اسمها غير أنها من سكان قرية كبدا وتحديدا من أولاد سالم بن عبيد حيث يقيم أهلها و منهم إبن عمها الشاعر سالم بن راشد بن عيسى. رُزق الشيخ سعيد بن عيسى من هذه الزوجة بولده عبدالله الذي أصبح قاضيا على جعلان زمن الامام عزان بن قيس.
و يتضح من خلال تتبع سيرة الشيخ سعيد بن عيسى أنه غادر وادي بني خالد مع جماعة من سكان الوادي متجهين الى جعلان بني بوحسن بقصد الإقامة فيها و ذلك تجنبا لخلافات كانت قد حدثت هناك ، وقصة مغادرتهم الى جعلان بني بوحسن تاركين الوادي يحكيها لي والدي عن أنه حدث خلاف بين بعض أهالي وادي بني خالد فجاء بعضهم إلى سعيد بن عيسى للفتوى و التشاور – و كانت مكانة ذلك الشخص عزيزة في قلب سعيد بن عيسى – فأفتى سعيد بن عيسى لذلك الشخص بأن عليه أن يبيع أمواله التي في وادي بني خالد و أن يغادرها الى مكان آخر تجنبا لتفاقم النزاع والخصومة بين الجماعة و أنه – أي سعيد بن عيسى – سوف يغادر كذلك الوادي و يرافق ذلك الشخص و ينزل معه حيثما نزل، و بعد ان تم بيع الأموال غادرت الجماعة وادي بني خالد متجهين الى جعلان بلاد بني بوحسن و نزل سعيد بن عيسى مع أبنه القاضي عبدالله غير أن المنية وافته و دفن في جعلان بني بوحسن حسب ما أفاد به والدي و عمي نقلا عن الشيخ حمد بن سالم بن سعيد الصواعي الذي عاصر سعيد بن عيسى و ابنه القاضي عبدالله بن سعيد.
والدته
بالرغم من البحث المضني في سبيل الحصول على أسم والدة الشيخ عبدالله بن سعيد لم أتمكن من معرفة اسمها غير أنني وجدت أنها تنتسب لبيت أولاد سالم ابن عبيد من سكان قرية كبدا التابعة لولاية صور ولها صلة قرابة بسالم بن راشد ابن سالم بن عيسى و هذا الأخير هو من أبناء عمومة عبدالله بن سعيد بن عيسى و قد اُشتهر عنه أنه كان شاعرا و أنه من أهل الحكمة و الرأي و كان محلا للشورى و مقربا من الشيخ محمد ابن شماس الشعيبي.
أسرته
ينتمي الشيخ عبدالله بن سعيد بن عيسى السمّي إلى أسرة موسرة كريمة كان لها شأنها و حضورها الإجتماعي و العلمي، فكانت أسرة الشيخ تمتلك أموالا و نخيلا و أوقافا و مساكن بنيت من الطين و قامت أسرته كذلك ببناء مسجد في الحارة الحدرية في قرية حلفا يسمى بمسجد السميين. و قبيلة السميين مفردها السمّي بفتح السين و تشديد الميم هي قبيلة أستوطنت الحارة الحدرية من قرية حلفا بوادي بني خالد و لها أثار لا تزال واضحة للعيان، فهناك مقبرة كبيرة تُسمّى ( مقبرة السميين) و شواهد قبورها لا تزال واضحة، كما أنه يوجد مسجد يحمل اسم القبيلة و من أشهر رجالها العالم الناسخ سعيد بن عيسى بن راشد السمي والد الشيخ القاضي عبدالله بن سعيد و الذي عُرف ببرزته الشهيرة التي مارس فيها دوره الاجتماعي و الديني في التصدي لمصالح الناس و تعليمهم أمور دينهم و دنياهم و منها الفتوى و هذا ما تشير إليه التقييدات و أما أثار و رموم برزته فقد كانت تشاهد إلى فترة الثمانينات و التسعينات.
المولد والمنشأ
مع عدم توفر معلومات مؤكدة عن مكان مولده و تاريخه يبقى الترجيح الوحيد لذلك أن الشيخ عبدالله وُلد و نشأ في وادي بني خالد في كنف والديه و قد تكون ولادته حدثت في منتصف القرن الثالث عشر الهجري الموافق لفترة الثلاثينات من القرن التاسع عشر الميلادي وهذا الاستنتاج بنيته على تاريخ مولد الشاعر القاضي عامر بن سليمان الشعيبي (مطوع) الذي يذكر الباحث محمد بن حمد المسروري في تحقيقه لديوان الشعيبي أنه من مواليد 1265 هجرية – 1844 ميلادية ومن المعروف أن عامر بن سليمان الشعيبي كان تلميذا لعبدالله بن سعيد السمّي.
تعليمه و شيوخه
ومع أنه كذلك لا تتوفر معلومات عن تعليم الشيخ عبدالله و المشايخ الذين تعلم على أياديهم إلا أن الفترة التي عاش فيها الشيخ عبدالله بن سعيد السمي شهدت وجود علماء كان يُسعى إليهم سعيا و يُطلب من عندهم العلم طلبا كالشيخ صالح بن علي الحارثي(ت:1896م) و الشيخ محمد بن سليم الغاربي (ت:1301هج) و الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي(ت:1871م). و لا يجب أن نغفل عن أن الشيخ عبدالله نشأ في بيت دين و علم ، فوالده الذي نسخ لنفسه مخطوطين مختلفين من حيث المحتوى ( كتاب إيضاح نظم السلوك هو شرح لتائية إبن الفارض التي تعد من أدب التصوف أو علم السلوك و الكتاب الآخر هو صراط الهداية الذي يضم جوابات فقهية لقاضي اليعاربة الشيخ محمد بن عبدالله بن جمعة بن عبيدان النزوي) نرى أنه كان عالما موسوعيا لم يتوقف عند الاهتمام بالفقه و مسائله بل قرأ و نسخ لنفسه مخطوط في علم السلوك ( التصوف) و بذا نستطيع أن نجزم أن المعلم الأول للشيخ عبدالله بن سعيد هو والده سعيد بن عيسى بن راشد السمي.
شبابه
اِمتهن الشيخ عبدالله مهنة أباءه فكان صائغا للفضة ، كما و أنه أخذ على عاتقه تدريس النحو و العلوم الشرعية في “مسجد اللمبي” في قرية حلفا بوادي بني خالد و كان من تلامذته الشاعر الشيخ القاضي عامر بن سليمان الشعيبي الشهير بــ”مطوع”. كما يُذكر أيضا أن الشيخ عبدالله بن سعيد جلس للفتوى و لتعليم الناس أمور دينهم و دنياهم و إماما قائما بالصلاة ولم يكن يأخذ مقابلا ماديا لقاء إمامته للناس بالصلاة.
و في عهد الإمام عزان بن قيس (1868-1871م) تم تكليف اثنين من علماء وادي بني خالد بالقضاء، حيث وقع الاختيار على الشيخ هاشل بن محمد المصلحي ليكون قاضيا للإمام على إبراء بينما تم تكليف الشيخ عبدالله بن سعيد بن عيسى ليكون قاضيا للإمام على جعلان بني بوحسن فكان ذلك هو سبب خروج الشيخ عبدالله بن سعيد من وادي بني خالد إلى جعلان بني بوحسن و استقراره فيها.
زوجاته
من خلال البحث و المقابلات وجدت فقط ذكر لاثنتين من زوجاته، ففي زواجه الأول لم يكن هناك أي ذكر للأبناء ، فقد كانت زوجته الأولى هي سالمة بنت شفّه الرزيقية التي طلقها بعد زواج دام لفترة طويلة ليتزوج بها بعده تلميذه الشاعر الشيخ القاضي عامر بن سليمان الشعيبي “مطوع”.
أما زوجته الثانية فكانت العالمة العاملة الفقيهة العابدة فاطمة بنت خلفان بن خادم بن خلفان بن ثويني المعمرية من حارة “القرية” بقرية “سيق” التابعة لولاية الكامل و الوافي التي أنجبت له أبنيه سالم بن عبدالله ( غير معروف تاريخ مولده و وفاته) و حمد بن عبدالله ( 1900-1981م).
أبناؤه
يبدو أن الشيخ عبدالله رزق بإثنين من الأبناء من زوجته فاطمة بنت خلفان المعمرية، غير أنه ثمة رواية شفهية عن شميسة بنت سالم أبن الشيخ عبدالله بن سعيد تفيد أنه كان لها “عمة” تسكن المضيبي غير أنه و للأسف لم نتمكن من الحصول على معلومات عنها!
- سالم وهو الأكبر والذي لم يخلف إلا ابنة واحدة اسمها شميسة توفيت في 6 أبريل عام 2000م و تذكر شميسة حادثة وفاة والدها سالم الذي سقط من فرسه أثناء السباق و كان عمر شميسة حينها ثمانية أو عشرة أعوام. بعد وفاة والدها سالم رحلت شميسة مع عمتها إلى المضيبي ( وهذه الإشارة تفيد أن سالم توفي بعد أبيه القاضي عبدالله بن سعيد و هناك إشارة أخرى إلى أنه من الممكن أن يكون للشيخ عبدالله بن سعيد أبناء آخرين يسكنون خارج جعلان و لكن لم أستطع التوصل إلى معرفتهم!)، عاشت شميسة في كنف عمتها ثم تزوجت و أنجبت ولدين أحدهما سافر مع والده إلى السواحل وانقطعت أخبارهما و الآخر توفي، فعادت شميسة إلى جعلان و تزوجت و أنجبت ابنتين لا تزالان على قيد الحياة ولهما أبناء و أحفاد.
- حمد: وهو جدي المباشر ( 1900-1981) سيأتي الحديث عنه بشكل أوسع في تقرير آخر غير أنه من الأهمية بمكان أن أًقدم عنه تعريفا سريعا ، فحمد أبن القاضي عبدالله بن سعيد كلفه الإمام محمد بن عبدالله الخليلي بجباية الزكاة لأهل جعلان كما كلفه السلطان سعيد بن تيمور بإقامة صلاة الجمعة لأهل جعلان و قد عاش حمد إبن القاضي عبدالله متصديا لمصالح المسلمين و ذلك مثل كتابة الصكوك و الصلح بين المتخاصمين و الوكالة عن الأيتام و مسؤولا عن أوقاف المساجد و غيرها من المسؤوليات و المهام التي تشير إليها الصكوك و الوثائق التي تملكها العائلة.
إقامته في جعلان
و قد سبقت الإشارة إلى أن الإمام عزان بن قيس (حكم 1868-1871) اختار رجلين من رجال العلم بوادي بني خالد ليكونا قاضيين و كان أحدهما هو الشيخ عبدالله بن سعيد بن عيسى الذي أصبح قاضيا للإمام عزان بن قيس على جعلان و يبدو أن وصوله تزامن مع وصول الإمام عزان إلى جعلان في منتصف شهر شعبان من عام 1286 هجري ( يوافق 20 نوفمبر 1869م )، قال الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي مؤرخا لوصول الإمام عزان بن قيس إلى جعلان:
حاكما داعيا إلى الله يدعو *** لرشاد و يُوضح التبيانا
فأطيعوا إمامكم واتقوا الله *** وكونوا على الهدى أعوانا
كان هذا والحمدلله في عام *** غفور بالنصف من شعبانا
و كانت من أوائل المهام التي قام بها الشيخ عبدالله بن سعيد إثر وصوله إلى جعلان مهمة تجهيز راية الإمام عزان و ذلك بكتابة سورة الفتح على قطعة قماش أبيض و هي ذاتها الراية التي تسمى براية “حمد بن مسلم”. ويحدثني العم سعيد بن حمد حفيد القاضي عبدالله بن سعيد أنه في أربعينات القرن الميلادي الماضي بدأ الحبر الذي كُتب به على راية “حمد بن مسلم” بالتلاشي فجيء بالراية إلى حمد ابن الشيخ القاضي عبدالله بن سعيد ليعيد كتابة سورة الفتح متتبعا خط يد والده القاضي عبدالله بن سعيد، فقام حمد بالكتابة فوق الكتابة السابقة تماما.
اِنتهت دولة الإمام عزان بن قيس عام 1871م ليجد الشيخ عبدالله بن سعيد نفسه ملزما بالإقامة في جعلان و لم يحبذ العودة إلى موطنه وادي بني خالد و قد يكون ذلك امتثالا لأمر الإمام، فاستقر في جعلان قاضيا و مصلحا و عالما يستفاد من علمه و حكيما ينصت لرأيه و مشورته. ويتضح من النصوص الواردة في رسالة الشيخ نورالدين السالمي إلى الشيخ عبدالله بن سعيد المؤرخة في 29 جمادى الآخرة 1318 هج الموافق 24 أكتوبر 1900 م ما يفيد أن الشيخ عبدالله ابن سعيد عاش في جعلان بني بوحسن قاضيا ممارسا لجميع مهام القاضي الشرعي من الحكم بين المتخاصمين و مطالبة المدعي بالبينة و أخذ اليمين من المدعى عليه و الأرش في الجراحات (في لسان العرب “الأرش من الجراحات” قيل: هو دية الجراحات ) و كتابة الصكوك الشرعية، فها هو الشيخ يحكي عن نفسه ويقول:
أ. ” لأنه كان في الزمن الماضي وَقَّفَنا مشايخُ بني بوحسن وكُبَرَاؤُهُم عن أَرْشِ ما يجري في أسواقهم من الجراحات، وأنا غريبٌ في بلدهم ذليلٌ حقيرٌ!”
ب. ويقول كذلك: ” وقد جَرَى لي في الزمن السابق مِنْهُم أَمْرَانِ عظيمان: أَحَدُهُمَا في ورقةٍ كتبتُها على رجل أرادَ التَّنَصُّلَ مِنْ تَبِعَاتِهِ. والثاني في أَرْشِ فتنةٍ جَرَتْ منهم في السُّوق!”
فعبارتا الزمن الماضي و الزمن السابق توضحان أن إقامة الشيخ عبدالله قديمة و أن له دور فاعل في المجتمع فقد كانت مهمته الحكم و الفصل في الدعاوي والقضاء بين المتخاصمين.
و من المواقف التي تروى عنه حين الحديث عن أقدمية إقامة الشيخ في جعلان بني بوحسن موقفة من حادثة “صكة خويسة” التي وقعت عام 1299هج الموافق صيف 1881م كما يشير “لوريمر ” إلى ذلك، و هي صكة معروف قصتها و التي كانت صدا و دفاعا من قبيلة بني بوحسن للمهاجمين من القبائل المجاورة، حيث تشير الرواية الشفهية إلى أن رجال قبيلة بني بوحسن مروا في طريقهم إلى خويسة بالشيخ عبدالله بن سعيد في برزته فطالبوه بتسخير علم الأسرار الذي يشاع عن أن الشيخ عبدالله كانت لديه دراية به و له باع طويل فيه غير أن الشيخ اكتفى بإخبارهم بأن النصر حليفهم.
ومع طول إقامته و استقراره في جعلان بني بوحسن نظّم الشيخ عبدالله بن سعيد وقته لينتفع من علمه و حكمه الجميع ، ففي أوقات الصباح تعوَّد الشيخ عبدالله بن سعيد أن يبرز في مجلسه “السبلة” و التي كانت في الوقت ذاته “ماحة” و “الماحة” هي المسمى المحلي لورشة الصياغة فقد احتفظ الشيخ بمهنة الأجداد ألا و هي مهنة صياغة الفضة و حافظ عليها و لا يزال السندان “السندال” الذي كان يطرق عليه الفضة يستعمله حفيده سعيد بن حمد بن القاضي عبدالله ابن سعيد إلى يومنا هذا. و عودا للحديث عن وقت الصباح عند الشيخ عبدالله بن سعيد فقد اِتخذ سبلته مجلسا للنظر في قضايا المتخاصمين و الفصل في دعاويهم و يتميز المجلس بوجود مبرز أمامه والمبرز هو المساحة المفتوحة أمام الماحة من جهة الشمال و التي كان لها أساس جدار مبني من الجص. شهد مبرز عبدالله بن سعيد إقامة المحاكمات و تنفيذ الأحكام و فض المنازعات و الفصل في الخصومات و الصلح بين المتخاصمين و تشير الروايات الشفهية إلى أن الذين يحكم عليهم بالسجن كان يتم تقييدهم و حبسهم في بيت الشيخ عبدالله بن سعيد في الساحة الداخلية الملاصقة للماحة كما سيأتي بيان ذلك في وصف تصميم بيت الشيخ عبدالله بن سعيد.
أما في أوقات العصر فقد كان برج السوق أو ما يسمى محليا ب”البومة” و هو البرج الكائن في سوق جعلان بني بوحسن الواقع بالقرب من جامع “عزان بن قيس” فقد كان هو المكان الثاني الذي شهد جلسات للحكم و القضاء في الدعاوي و الخصومات ، و من الطبيعي جدا أن السوق وهو المكان الذي يرتاده الجميع للتبضع و التسوق كان يشهد الكثير من الفتن و النزاعات و كان لا بد من وجود رجل حكيم و قاضي بحجم الشيخ عبدالله بن سعيد للتدخل و الفصل في الدعاوي و الدعوة إلى التعامل بالحسنى بين البائع والمشتري. و لم تخلُ سيرة الشيخ و مجلسه وقت العصر في سوق جعلان بني بوحسن من نسج الكثير من الحكايات حولها، فهناك الكثير من الحكايات التي تحكى عن أن الشيخ عبدالله بن سعيد كان يخرج سفهاء الجن خارج السوق كي لا يتسببون في الضرر بأحد أو في العبث في السلع، و تقول حكاية أخرى أنه في بعض الأحايين كان جلساء الشيخ عبدالله يلاحظون وجه الشيخ و قد ظهرت عليه فجأة إبتسامة فيظنون في أنفسهم أن الشيخ يسخر منهم و لكنه كان يوضح لهم أنه يشاهد خلقا غير الأنس المتحلقين حوله في مجلسه، و تتحدث حكاية أخرى عن الشيخ أنه كان يعطي عددا من الحصى لمن يسأله شيئا من المال على شرط أن يبقي كفه مغلقا و لا يفتحه إلا بعد أن يتعدى شجرة الغافة الكبيرة ” عيدان الهبطة” الكائنة غربي السوق ليتفاجأ الشخص السائل حين يفتح كفه بعد أن يتعدى حدود شجرة الغاف أنه يحمل قروشا و ليست أحجارا! و هذا ما يعرف عند أصحاب العلوم الروحانية بعلم الكيمياء أو السيمياء. و تلك أخبار أوردها هنا في هذا المقال من باب الأمانة في نقل كل ما سمعته من كبار السن و أحفاد الشيخ بأنفسهم عن سيرة الشيخ و ما صاحبها من روايات و أخبار.
و في الحديث عن وقت الليل فتذكر الروايات الشفهية عن أن الشيخ كان بعد أن يفرغ من صلاة المغرب في مسجد راشد بن خميس ” مسجد الصواويع” يجلس خارج المسجد مع أصحابه يتحدثون في الشؤون العامة و الخاصة و يتناقشون إلى أن يحين موعد صلاة العشاء ليقوم الشيخ عبدالله بن سعيد برفع الأذان للصلاة و التأهب لإقامتها و مما يحكى في هذا الجانب عن الشيخ هلال بن عامر الخنجري الحارثي صاحب فلج هلال (توفي: 5 جمادى الآخر 1341هجرية) أنه كان يزور الشيخ عبدالله ابن سعيد وكان قد تعود قبل لقائه بالشيخ عبدالله أن يقوم بإعداد مسائل متنوعة في الفقه والعقيدة و سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام حيث تذكر الرواية أنه كان يتعمد انتقاء مسائل صعبة و نادرة و يستغرق الأمر منه سبعة أيام و عشرة أيام لإعداد تلك المسائل ، و في أثناء جلستهم بين صلاتي المغرب و العشاء عند مسجد راشد بن خميس “مسجد الصواويع” يطرح الشيخ هلال على الشيخ عبدالله بن سعيد تلك المسائل فيجيبه عليها في الحال فيتعجب الشيخ هلال من سعة علمه و معرفته و حضور بديهته و قوة ذاكرته ، و عندما يحين وقت أذان العشاء يستأذن الشيخ عبدالله للوضوء و الأذان ، فيغتنم الشيخ هلال الفرصة و يخبر الجلساء أنه يتعمد البحث في الكتب عن مسائل صعبة و تعجيزية ليطرحها على الشيخ عبدالله لكنه يتفاجئ بأن الجواب حاضر و بسرعة عند الشيخ عبدالله ثم يثني عليه قائلا: ” عبدالله بن سعيد عالم و فقيه و لا أرى له مثيلا في سعة علمه في هذه البلدة”. وقد توضح رسالة الشيخ نورالدين السالمي إلى الشيخ عبدالله بن سعيد سعة اطلاع الأخير وغزارة علمه و عمق معرفته ليس بالدين فحسب بل و بالعربية التي بدت واضحة في جمال صياغة عباراتها وجملها و ترصيع ألفاظها وتراكيبها.
و بعد صلاة العشاء كان الشيخ عبدالله حريصا على زيارة أقارب زوجته القاطنين ببلدة الكامل حيث أن كان يمتطي فرسه آخذا زوجته معه لزيارة أهلها حسب ما يسرده لي عمي سعيد بن حمد وكذلك والدي مبارك بن حمد وهما حفيدي القاضي عبدالله بن سعيد نقلا عن جدتهما فاطمة بنت خلفان المعمرية زوجة القاضي.
و من المهام التي تصدى لها الشيخ عبدالله بن سعيد كانت كتابة الصكوك و ذلك لضمان حقوق الناس و لتوثيق معاملاتهم الشرعية التي لربما تعددت بين البيوع و الهبات و الوصايا و الأرش والديات و الأوقاف و غيرها من المعاملات و المصالح لكن من المؤسف أننا لم نتمكن من الحصول على نسخ لتلك الصكوك غير صكين؛ الأول بخط يد الشيخ بنفسه وهو صك في بيع الخيار بين البائع هلال بن عامر بن سلطان الحارثي و المشتري جميع بن ناصر الحسني وكان تاريخ كتابة الصك في 6 ذي القعدة غير أنه و للأسف و بسبب تمزق طرف الصك فلم تظهر في أي سنة كانت كتابة ذلك الصك. و هناك صك آخر و هو صك منقول غير أصلي يعود لتاريخ 7 جمادى الأولى 1344 هج الموافق 23 نوفمبر 1925 م كُتب بخط يد حمد بن ناصر بن سالم النظيري و يشير الصك المنقول إلى أنه تم نقله من صك أصلي كتبه عبدالله بن سعيد بن عيسى غير أنه و للأسف لا يذكر تاريخ كتابة الصك الأصلي وكان محتوى الصك عن أعطية من والد لولده.
صفاته
العلم: إن غزارة علم الشيخ عبدالله بن سعيد السمي يستطيع القارئ الكريم أن يستنبطها من تلك المسائل التي أرسلها فيما يبدو الشيخ عبدالله بن سعيد السمي إلى الشيخين عيسى بن صالح بن علي الحارثي و الشيخ نورالدين السالمي و التي وردت مضمَنة في رسالة السالمي الى أهل جعلان بشأن مسألة الأمير سعيد بن سالم، حيث يورد الشيخ عبدالله بن سعيد السمي حججا مستخدما فيها مصطلحات فقهية نادرة التداول مثل مصطلح ” دفع الصائل” التي وردت في المسألة الثانية، كما و أنه يستشهد بقصص للصحابة رضوان الله عليهم كقصة عمار بن ياسر و علي ابن أبي طالب ، و يورد فيها كذلك أقوالا للعلماء المتقدمين من أمثال الشيخ أبي سعيد و لعله يقصد الشيخ أبي سعيد الكدمي خاصة تلك الأقوال المتعلقة بمهام و أحوال القضاء و تلك أشارة واضحة إلى ان الشيخ عبدالله بن سعيد السمي كان على معرفة تامة بكل ما يتصل بعمل القاضي و متى تُجازُ التُقية للقاضي و متى يمكنه أن يطلب الإعفاء و غيرها من الأحوال و المسائل.
إضافة إلى تبحره في علوم الفقه فهناك أخبارا واسعة تحكيها الأجيال عن اضطلاع الشيخ عبدالله بن سعيد السمي بما يُسمى عند العمانيين ” علم الرياضة” و هو علم تسخير الجان و قد ذكرت أعلاه نماذجا من تلك الأخبار.
الكرم و الأمانة: فقد شهد له القاصي و الداني بكرمه و بأمانته ، كما بلغت سمعته في الكرم الآفاق ، فقد اُشتهر بسخائه و عطائه و جوده و كرمه و يذكر فضيلة الشيخ القاضي سالم بن راشد القلهاتي في مقابلة هاتفية :” أن عبدالله بن سعيد كان كريما و أمينا و من أهل الصلاح و رجاحة العقل ويعتمد على قوله”، وقد كان باب بيته مفتوحا للغريب قبل القريب ، وكان منزله قِبلة الأضياف و مأوى عابري السبيل و ملجأ للغرباء ، و لكون أن موقع جعلان بني بوحسن بعيد عن البحر و لغلاء سعر السمك تذكر الروايات التي نقلتها من أحفاد الشيخ عن صورة من صور كرمه فقد أنشأ في مطبخ منزله بناءً من الجص يشبه الحوض و ذلك ليخزن فيه السمك المملح بكميات كبيرة جدا يقري به ضيوفه و يعطي منه السائل والمسكين و يوزعه على أصدقائه و جيرانه.
الفراسة: يعرف موقع “موضوع www.mawdoo3.com ” الفراسة اصطلاحاً بأنّها عِلم تُعرَف به بواطِن الأُمور من ظواهِرها و قد اُشتهر العرب بهذا العلم و هناك العديد من الشخصيات العربية الذين كانت لهم مواقف تدل على امتلاكهم لصفة الفراسة، و في الحديث عن الشيخ عبدالله ابن سعيد بن عيسى فيذكر عنه كما أشرت أعلاه إلى موقفه من أصحابه أهل جعلان بني بوحسن في صكة خويسة حيث تفرس في وجوههم النصر فأخبرهم بأنه حليفهم و هناك رواية أخرى تذكر عنه أنه كان يهم بالدخول إلى السوق فشاهد آثار أقدام فأخبر المحيطين حوله أن هذه الآثار تعود لشخص من أقارب الشيخ و فعلا حين تفقدوا من بداخل السوق وجدوا فيه أحد أقاربه!
علم الأسرار: وهي من صفات الشيخ التي تحدث عنها الناس و نسجوا حولها الكثير من القصص التي تحكي عن درايته بعلم الرياضة أو الاستراضة وقد تعرف على أنها : (ترويض الجن أو معرفة الأسرار التي تعمل على تسخير الجان) ومن تلك القصص قصة أعتزاله في قرية “عين وشيلة” لأيام عدة في مجرى فلج يسمى محليا بالــ”سِيِد” على وزن “عيد” و قد اِرتبط ذلك “السِيِد” باِسم الشيخ فسُميّ بــ “سيد عبدالله ود سعيد”. وهناك الكثير من الحكايات التي تروى في شأن معرفة الشيخ عبدالله بن سعيد بعلوم الأسرار.
بيت الشيخ عبدالله بن سعيد
و الحديث عن عبدالله بن سعيد يدعونا للحديث كذلك عن منزله الكائن في حارة الصواويع وهو منزل لابد و أنه قد بُني في عهد الإمام عزان بن قيس تزامنا مع وصول الشيخ عبدالله بن سعيد و استقراره في جعلان ، ومن حيث الموقع فإن لموقع البيت رمزية خاصة فهو يقع مقابل بيت الزعيم حمد بن مسلم بن حجي بن سعيد الحسني مما قد تبدو أنها إشارة واضحة إلى أهمية و مكانة النازل بالبيت، فالزعيم القبلي و القاضي الشرعي يمثلان أساس أستقرار المجتمع واستمراريته. كما أن موقع البيت يأتي في الواجهة و لا يبعد سوى أمتار قليلة عن سوق الولاية كما أن في الجهة الشرقية للمنزل يقع بيت أحد أهم أثرياء الولاية حينها ألا و هو سعيد بن علي بن راشد الصايغ ( حي 1343هج/1924م) و سعيد بن علي الصائغ كان يملك ثروة طائلة و كان مبادرا لفعل الخير فقد بنى أكثر من مسجد و يشتهر عنه أنه كان كريما و أن بيته كان مأوى الأضياف.
ومن ناحية الهندسة العمرانية فقد كان البيت ينقسم إلى قسمين الحدري “الجنوبي” للسكن و العلوي “الشمالي” للحكم، يضم البيت ما يقارب 6 غرف ، 4 من تلك الغرف كانت في الجانب العلوي “الشمالي” تتوسطهما دروازة “مدخل/بوابة” البيت، ففي جهة الشرق من الدروازة تقع السبلة “الماحة” التي بنيت بالجص و تعلو السبلة غرفة علوية بنيت من الجص أيضا،في حين بنيت الغرفتان اللتان على يمين الدروازة من الطين. و من الجدير بالذكر أن القسم الشمالي من البيت و هو قسم الحكم و ممارسة مهام القضاء كانت الساحة الداخلية فيه هي المكان الذي يحبس فيه من يحكم عليهم بالسجن حيث توضع القيود في أرجلهم إلى حين اِنتهاء فترة سجنهم. و يضم البيت مطبخا من الطين وحظيرتان إحداهما للبقر و الأخرى للغنم وهناك مرابط (مراصغ) للخيول حيث كانت لديه 3 من الخيول، كما يضم البيت بئرا في وسطه و حوض ماء تابع للبئر و نخلة من نوع خصاب بجانب البئر.
لم يكن البيت خاليا من الناس، فقد كان يعج ويضج بالحياة بكل معانيها فتراه و كأنه خلية نحل، ممتلئ بالحياة و الحركة في كل زاوية من زواياه، فهناك ضيوف يحلون و آخرون يرحلون و هنا أعيان الولاية يشهدون جلسات المحكمة في مبرز عبدالله بن سعيد و هناك من يشتري حلي و حجول و مصوغات فضية ، وعند مرابط الخيل كان ساسة للخيل يقومون برعاية الخيول في حين كان الخدم يطبخون و يحلبون البقر و يجلبون الماء إلى البيت. و تشير الرواية إلى أن هذا البيت قد شهد وفاة سعيد ابن عيسى بن راشد والد الشيخ عبدالله و الذي غادر وادي بني خالد ليستقر مع ابنه في جعلان فأدركته الوفاة في منزل ابنه.
أشهر الأحداث التي عاصرها الشيخ
أما عن أشهر القضايا و الأحداث التي كان الشيخ عبدالله بن سعيد عنصرا أساسيا فيها و مرجعا للبت فيها فيمكن أن ألخصها هنا كالتالي:
- تأتي في مقدمة تلك الأحداث بلاشك هي قيام دولة الإمام عزان بن قيس ( 1868-1871م) ، فالشيخ عبدالله بن سعيد ومن خلال ما تذكره الموسوعة العمانية و كذلك ما يذكره سماحة الشيخ المفتي من خلال تواصلي مع أبنه أ. عبدالرحمن بن أحمد بن حمد الخليلي بتاريخ 13 أبريل 2020م أن سماحة الشيخ المفتي سمع بالشيخ عبدالله بن سعيد السمي الجعلاني أنه كان قاضيا زمن الإمام عزان بن قيس.
- إقامة صلاة الجمعة في جعلان بني بوحسن ، فقد أقام الإمام عزان بن قيس صلاة الجمعة في جعلان في شعبان من عام 1286 هجرية الموافق لنوفمبر 1869 م حيث ذكر لي الشيخ احمد بن محمد الشيبة السالمي في لقاء معه بتاريخ 11 أبريل 2018م أن الامام عزان بن قيس صلى بأربعين رجلا في الموقع الذي شيد فيه جامع عزان بن قيس في سوق جعلان بني بوحسن و يذكر لي العم سعيد بن حمد حفيد القاضي عبدالله بن سعيد ان القاضي عبدالله بن سعيد أستمر في إقامة الجمعة لاهالي جعلان!
- مسألة أموال الرزيقيين الذين جاؤوا إلى جعلان للقاء الإمام عزان بن قيس و شرح قضية أموالهم التي تم التعدي عليها فأحال الإمام عزان بن قيس مسألتهم إلى القاضي عبدالله بن سعيد الذي حكم لصالحهم و أمر بإرجاع نخيلهم و أموالهم إليهم.
- ومن الأحداث أيضا مسألة الأمير سعيد بن سالم الصواعي ، حيث ورد في جوابات الشيخ نورالدين السالمي ( أنظر ج1 من الجوابات ) أن بني بوحسن أعطوا العهود و العقود للشيخ سعيد بن سالم الصواعي ليكون أميرا على جماعته و كان القاضي حينها عبدالله بن سعيد الجعلاني غير أنه حدث ما يعكر صفو ذلك الاتفاق بين الأمير سعيد بن سالم و جماعته و بلغ الأمر ذروته حين مُنع الشيخ عبدالله بن سعيد السمي من الفصل في الاحكام و يبدو أن رسالة كتبها الشيخ عبدالله بن سعيد يوضح فيها ما يجري و الأسباب التي منعته من الفصل في الاحكام مما تطلب الأمر من الشيخ نورالدين السالمي بالرد على رسالة الشيخ عبدالله بتاريخ 29 جمادى الآخرة 1318 هج الموافق 24 أكتوبر 1900 م و الناظر في الرسالة سيدرك أنها نتاج فكري راقٍ جدا يعكس الدرجة العلمية التي وصل إليها الشيخ في المناظرة كما أنها تبين أن الشيخ عبدالله بن سعيد كان لديه من العمق المعرفي و المخزون العلمي و الدراية الكافية بعلوم القضاء و سيرة الصحابة رضوان الله عليهم و القدرة على الاجتهاد في المسائل ما يؤهله لاتخاذ القرار المناسب في تلك المسألة. و مسألة أمر أهل جعلان مع الأمير سعيد بن سالم الصواعي الحسني شهدت على ما يبدو الكثير من النقاش على الساحة السياسية و العلمية حينها ، فالشيخ عامر بن خميس المالكي يسردها في قصيدة شعرية كمسألة فقهية يوجهها إلى الشيخ نورالدين السالمي الذي بدوره يرد عليه بجواب شعري كذلك ، كما وردت العديد من السؤالات بخصوصها من قبل الناس إلى الشيخ السالمي كذلك فيجيبهم عنها و السؤالات وإجاباتها موجودة في جوابات الشيخ السالمي لمن أراد النظر فيها. و على العموم فإن رسالة السالمي في أمر أهل جعلان تظل رسالة مشهورة و مادة علمية و تاريخية أرجو أن تنال نصيبها من الدراسة الوافية و البحث الكافي فهي حادثة متعلقة بتاريخ القضاء العماني ، كما و انها وثيقة تاريخية لأهل جعلان لمن يرغب في الاستفادة منها بأي شكل من الاشكال.
أثاره العملية - تشير الموسوعة العمانية في الجزء التاسع صفحة 2380 أن للشيخ عبدالله بن سعيد السمي جوابات فقهية و رسالة مخطوطة في القاضي و صلاحياته.
- وفي مقابلة مع والدي مبارك بن حمد بن عبدالله بن سعيد السمي حفيد القاضي حدثني عن مخطوط مفقود بعنوان ” المنهج” و هو من تأليف الشيخ القاضي عبدالله بن سعيد السمي غير أنه و للأسف فُقد المخطوط و لم يُعثر على أثر له!
وفاته
مما يؤسف له أن تاريخ وفاة الشيخ غير معروف و لم يتم توثيقه و لكن الأكيد في الأمر أن الشيخ عبدالله بن سعيد كان على قيد الحياة إلى خريف عام 1900م و ذلك حسب التاريخ الوارد في رسالة الشيخ نور الدين عبدالله بن حميد السالمي إليه و التي كان موضوعها مسألة ” أمر أهل جعلان”. و على العموم فإن مسألة تحديد تاريخ وفاة الشيخ عبدالله بن سعيد بالإمكان تحديدها ما بين الأعوام 1901 إلى 1910 ، و قد يدعم هذا الرأي هو احتساب عمر شيخة بنت سالم بن عبدالله الملقب بــ ” كاسين ” وهي الأخت الصغرى غير الشقيقة لحمد ابن القاضي عبدالله بن سعيد و التي يذكر والدي و هو من مواليد 1938م أن عمته شيخة كانت تقارب الثلاثين من العمر حين كان والدي صغيرا في سن السادسة تقريبا أي في عام 1944 وهذا يعني أن فاطمة بنت خلفان المعمرية أرملة الشيخ عبدالله بن سعيد السمي تزوجت و أنجبت شيخة في عام 1914م مما يعني أنه إذا كانت وفاة عبدالله بن سعيد قد حدثت في عام 1910م فمن الطبيعي أن تكون هناك فترة زمنية كما هو معلوم إلى حين التاريخ المقدر لمولد شيخة الأخت الصغرى غير الشقيقة لحمد ابن القاضي عبدالله بن سعيد و لعله في قادم الوقت نتوصل إلى معرفة التاريخ المؤكد لوفاته.
انـتــهــى