د. معمر بن علي التوبي
أكاديمي وباحث عُماني
قد يرى البعض أن مبدأ الأخلاق الحقيقي ينبغي أن يكون لغير دافع كخوف أو طمع بحيث يكون العمل الأخلاقي لذاته فقط، وهذا مبدأ كانط في الأخلاق أو كما تُعرف بنظرية الواجب في الأخلاق والتي تفهم من وصف كانط نفسه لها بقوله: ” ما هو واجب هو واجب بما هو في ذاته وليس بما له من نتائج وآثار تعود على الفاعل “1، وبالتالي قد نجد الكثير من العمق في هذا المبدأ الذي يوجهنا لفهم فلسفة الأخلاق وفق المبدأ الإنساني الخالص والذي ربما يعود إلى غريزة الأخلاق نفسها التي يملكها الإنسان فيظهرها حين يمتلك النقاء والسمو الروحي، ومن جانب آخر فإن هذا المبدأ قد يصطدم بالمبدأ الديني الذي يشجع على البذل لأجل الثواب؛ وبالتالي نجد تسابق المتدينين على البذل لأجل طلب الثواب ونيل رضا الله. هنا علينا أن نعيد فهمنا لهذا المبدأ الكانطي ونقيسه بالمعيار النفسي لطبيعة الإنسان، ونحاول أن نفكك المنظومة النفسية الإنسانية فنعيد تشريحها من الداخل لفهم الدوافع الأخلاقية عند أغلب الناس -باعتبارها طبيعة بشرية مشتركة- فنجد أن مع وجود المبادئ الأخلاقية -الفطرية أو الغريزية- فإن الإنسان أيضا يحتوي على دوافع غريزية أخرى تدفعه للعطاء مقابل الأخذ، وهذا في واقعه قد يتعارض مع مبدأ كانط في المثالية الأخلاقية العليا التي تبرر العمل الأخلاقي لأجل الأخلاق نفسها وليس لأجل الثواب أو الخوف من العقاب بما في ذلك ثواب وعقاب الله في الآخرة، هنا لابد من الاعتراف بأن مبدأ كانط في الأخلاق (الفاضلة والسامية) يشبه مبدأ أفلاطون في المدينة الفاضلة، وكلاهما لا يمكن أن يكون لهما مكانًا في عالم إنساني تتنازعه الدوافع والغرائز والشهوات. من هنا نعود مرة أخرى لفهم قيمة الدين مع الأخلاق ودوره في صقلها ودفعها داخل المجتمع الدفع المطلوب؛ لنجد أن الدين بما يحمله من وعود وإنذارات فإنه يحرك عجلة المنظومة الأخلاقية داخل المجتمع الإنساني نحو الاتجاه الصحيح، وحينها سنجد أن منظومة الأخلاق التي تستوطن الإنسان منذ وجوده الأول ستتحرر وتخرج للوجود من حيث هي موجودة في الداخل الإنساني إلى الخارج بفضل الدافع الديني أكثر عن تحرره بفضل الدافع الأخلاقي نفسه والذي قد لا يتحرر إلا في حالات نادرة، وطالما أن الفائدة العامة والمشتركة من تحرر الأخلاق وتفعيلها قد نجحت بوجود الدين فهنا نجد أن المهمة أنجزت وأن مبدأ كانط سيركن مع مدينة أفلاطون الفاضلة التي لم تولد بعد -مع بالغ التقدير لمبدأ كانط الأخلاقي العظيم-.
كذلك نرى أن القانون في الأخلاق قد تطور من خلال ما قدمه كانط من إسهامات عميقة في فلسفة الأخلاق، إلا أنه من الضرورة بمكان أن نعود إلى ما قبل كانط لنشاهد دور الدين وبالتحديد الدين الإسلامي في تطوير المحتوى الأخلاقي الإنساني وتحريره وإخراجه، وتشكيل مجتمع أخلاقي يمكن أن يوصف بالمثالي -في ظل غياب المثالية الأخلاقية الكانطية- وذلك من خلال النصوص القرآنية الداعية لمبادئ الأخلاق مثل التعاون والتكافل والرحمة والحكمة وغيرها من القيم الأخلاقية، وكذلك السلوكيات الأخلاقية التي مارسها الرسول (صلى الله عليه وسلم) ونقلت لنا لتكون أنموذجًا ومثالًا يحتذى به. نلاحظ -مثلًا- دور الغزالي وإسهامه -الذي يُعد أحد أبرز مفكري وفلاسفة الإسلام- في تطوير علم الأخلاق وفلسفته ليضيف مع النص الديني وقواعد الفلاسفة من بعده عامل تطوير وتطور لهذا المبدأ الذي في أصله غريزي إنساني وهو الأخلاق. فمما نجده عند الغزالي في مبدأ الأخلاق من حيث التأسيس والتنظير العلمي -الذي سيكون جزءًا من الأفكار التي سيعتمد عليها من بعده وفقا لفلسفة التطور التي هي محور حديثنا- هو تعريفه للأخلاق بقوله: ” والخلق عبارة عن هيئة في النفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلا وشرعا سميت تلك الهيئة خلقًا حسنًا، وإن كان الصادر عنها الفعال القبيحة سميت الهيئة التي هي المصدر خلقا سيئا”2، وهذا التعريف من الواضح أن الإمام الغزالي قد استلهمه وتطور عنده من مسكويه الذي سبق الغزالي بقرابة قرن من الزمان والذي كان وصفه للأخلاق بأنها طبيعة في النفس البشرية؛ حيث تصدر الأفعال والتصرفات عنها من غير تفكير ولا نظر3. ونعود لمفهوم الفضيلة عند الغزالي الذي يراه أساسًا للمبدأ الأخلاقي والذي وفقًا لمبدأ التطور في عالم الأفكار نرى أنه من الضرورة أن تتولد الأفكار بسبب الاستلهام والتدفق الفكري الذي نهله الغزالي ممن سبقه، وفي موضوع الفضيلة نجد أن الغزالي قد تطورت عنده مفاهيم الفضيلة وأسسها من فلسفة أرسطو من خلال نظرية التوسط والتي أطلق عليها الغزالي بالاعتدال، كذلك نهل من أفلاطون ومن نظريته المعروفة بنظرية المماثلة والتي يرى فيها أفلاطون أن الله هو الذي تجتمع وتتصالح فيه كل كمالات المخلوقات كونه هو الوحدة؛ وبالتالي فإن الإنسان الفاضل في نظر أفلاطون هو الذي يرى الله بلا انقطاع، وهذا ما يمكن أن يلاحظ في فلسفة الغزالي الأخلاقية، ومما استلهمه الغزالي أيضا من مبدأ أفلاطون في الفضيلة ما يُعرف بنظرية التوافق والتي عُرفت عند الغزالي بالعدل4.
نحن هنا لا ننتقص من دور الغزالي أو غيره من الفلاسفة -الذين ساهموا في تطوير فلسفة الأخلاق وأسسها ونظرياتها- من خلال ما نراه استلهامًا وتطورًا لأفكارهم حسب فهمهم لمن سبقهم، فهنا نحن نؤكد على ضرورة سير مبدأ التطور في عالم الأفكار بشكل عام بما فيه عالم الأخلاق الذي يجسد المبدأ الأخلاقي عند الإنسان.
نحن نجد أن الإنسان صاحب الوعي الأكثر تطورًا من بين جميع الكائنات الحية الأخرى من حوله، والوعي ذو مستويات معينة ويتحدد بمستوى العقلانية والأخلاق، فنجد حينها أن مستوى الوعي هو ما يحدد مستوى العقلانية والأخلاق، ولهذا لا يمكن أن ننكر وجود نظام أخلاقي لأي كائن حي بما في ذلك النبات والحيوان وفقًا لدرجات الوعي الخاصة بكل كائن؛ فكلما ارتفع مستوى الوعي؛ ارتفع مستوى الأخلاق والعقلانية. بعض الحيوانات تمتلك نظامًا أخلاقيًا غريزيًا (ولو كان محدودًا -وفقا لمستوى الوعي-) يمكن ملاحظته من خلال أنظمة التعاون والتكافل والرحمة والحب بين بني الجنس الواحد، بل وفي حالات خاصة وربما نادرة تكون هذه الأخلاقيات ملاحظة بين أجناس مختلفة وهذا دليل على فطرية الأخلاق وعلى نشأتها الفطرية (الغريزية) في الكائن الحي سواء كان إنسانًا أم حيوانًا أم نباتًا.
من الأهمية أن نفحص دور الدين سواء في نشأة الأخلاق أو تطورها بدون أي تعصب مفرط (سواء من طرف الفريق المادي أو الديني) حتى نفهم هذا المزيج الروحي والبيولوجي. من خلال معرفتنا بوجود نظام أخلاقي ولو كان محدودًا عند كثير من الكائنات الحية؛ فهذا بلا أدنى شك يؤكد لنا ضرورة النشأة الطبيعية (الغريزية) للأخلاق عند الإنسان أيضا وهذا يمكن تتبعه من خلال سلوك الإنسان البدائي، وأن العقل (الوعي) يتطور ويزيد بزيادة الخبرات في الحياة؛ وبالتالي انتقل هذا الإنسان العاقل إلى مراحل من التطور الحضاري والذي من بينها تطور التواصل عبر تطور اللغة. كل ما يمكن أن نراه ونفكر فيه أن الأخلاق نظام فطري (غريزي) أقرب ما يوصف بأنه النظام الإنساني (والعقلاني في حدود معينة) والواعي عند أي كائن حي، وكلما ارتفع مستوى الوعي والعقلانية إلى حد ما؛ يكون مستوى الأخلاق عاليًا والتي لا يمكن أن تتطور دون وجود محركات وعوامل فكرية كالدين الذي ساهم في تطور النظم والمؤسسة الأخلاقية الإنسانية عبر مؤسسات تنظيم الأفراد والجماعات داخل الدولة (مثل نظم الحكم والقضاء …إلخ).
في الجانب المقابل لا يمكن أن نعتقد على الإطلاق أن النظام الأخلاقي نظام عقلاني بحت كما فعل كانط في عقلنة الأخلاق وفصلها عن الدين والذي قد يكون محاولة لمجاراة التيار الحداثي، ولكن من السهل أن نرى النظام الأخلاقي هو نظامًا إنسانيًا وأنه لا يمكن له أن ينفصل عن المضمون والنظام الديني وهذا ما يراه الفيلسوف طه عبدالرحمن الذي يرى أن العقل جزءًا من الأخلاق5، ويشير هذا الفيلسوف العربي بأن بعض المفاهيم الأخلاقية التي اصطبغت اليوم بالمصطلحات العلمانية -المنفصلة عن المصطلحات الدينية الأصلية- كمبدأ التضامن الذي هو في أصله -قبل دخول الحداثة عليه- مبدأ أخلاقي ديني يُعرف بالإحسان عند النصارى وبالتراحم عند المسلمين، إلا أن مفهوم التراحم قد عُقلِن ليُعرف بالتضامن بدلًا من التراحم، وهذا أيضا ما حدث لمبدأ الأخوة في الإسلام وهو مفهوم أخلاقي ديني -أي إن الدين أول من قام بتنظيره وتنظيمه داخل المجتمعات الإنسانية- فإنه بعد أن ألبس ثوب العقلانية والحداثة صار يُعرف بمبدأ المواطنة6 . نعم من الممكن أن نقول أن هذه تبدو عند البعض أزمة مصطلحات لا أكثر ولكن في واقعها فهي تعكس الأسبقية في منهج التنظير وأحقية المصدر الأول للفكرة، والتي تعبر عن منهج التطور والتطوير الفكري في جانب الفلسفة الأخلاقية، والتي نرى بلا شك من خلالها أن الدين -وإن كانت الأخلاق في أصلها غريزية في طابعها الإنساني- قد ساهم في تنظيم هذه المبادئ والفضائل الأخلاقية ونشرها، ولهذا يحق له أن يكون صاحب الأسبقية في بناء المنظومة والفكرة الأخلاقية عند الإنسان وتأسيسها. تسمح العقلانية المادية المتجردة من النظم الدينية إلى حد ما بتأسيس مبادئ أخلاقية، ولكن طفرتها وتعصبها المادي سيجعل من المصلحة المادية الغلبة على المبادئ المادية وهذا ما يفهم من خلال الثغرات اللاأخلاقية أو اللاإنسانية في بعض الأنظمة المادية كالشيوعية والرأسمالية. حينها من السهل ملاحظة بعض السلوكيات اللاإنسانية التي تمارسها الأنظمة المادية -في تناقض صريح وواضح مما هم أقروه وقالوه- وخصوصًا خارج جغرافيتها السياسية، وفي غير جنسها من الشعوب التي تستعبدها بغية نهب ثرواتها، وهذا لا يمكن أن ينكره أي عاقل متابع ومتتبع للتاريخ وأحداثه.
بذل طه عبدالرحمن باعتباره فيلسوفًا معاصرًا جهدًا فلسفيًا في محاولته (القوية) في عدم إخراج الأخلاق من منظومتها الدينية، بل يرى أن الأخلاق المستمدة من الدين الإسلامي لها طابعها الكوني والحركي العميق، ومما يذكره طه عبدالرحمن حول هذا قوله: ” … الأخلاق الإسلامية أولا انطلقت أو انطلاقي دائما تفكيري في إطار مجال تداول الإسلام، أنا لا أفكر خارجه إطلاقا، بل إذا شعرت بأني مررت بلحظات وأشعر أنني أخرج منه أعود إليه وأغطس كليتي فيه لاستخرج ما يمكن استخراجه، فأنا أعتبر أن الأديان يكمل بعضها بعضا ولكن كل دين له زمن خلقي أفضل من الزمن الذي سبقه، لأنه يأتي بصفات وبأخلاق جديدة يضيفها … هناك تراكم ديني كما أن هناك تراكم معرفي والتراكم الديني تراكم أخلاقي وقيمي، فلذلك تكون الأخلاق الإسلامية أعمق من سابقاتها وتكون أكثر حركية من سابقاتها لماذا؟ لأن كما قلت الحركية الموجودة في الأديان السابقة زادت مع الدين الإسلامي والعمق الموجود في القيم السابقة زاد أيضا مع الدين الإسلامي، بموجب خاتمية الدين الإسلامي وبموجب تكميله لمكارم الأخلاقي، الإسلام هو دين البشرية جمعاء، فنستطيع أن نخدم ونسهم في الحضارة الكونية من هذه الزاوية، بمعنى أن القيم التي يحتضنها الإسلام كونية يقبل بها البشر جميعا لو تُقدّم وتُعرض إلى الآخرين بالطرق التي يعرضون بها قيمهم وهي طرق استدلالية وطرق حوارية وطرق الاستشكال الفكري المعروف في مجال الفكر بصفة عامة”7.
الأخلاق نفسها كما رأينا تتطور بتطور المعرفة والثقافة بما فيها الدين، وحتى لا نخرج عن المساق الرئيس في هذا المبحث والذي هو فهمنا لفلسفة التطور في الأخلاق؛ فإننا أيضا رأينا تطور مفهوم علم الأخلاق وفلسفتها من الناحية العلمية التنظيرية ودورها في تطور الدافع الأخلاقي نفسه عند الإنسان. كما رأينا ذلك من كبار منظرّي وفلاسفة الأخلاق كالغزالي وسبينوزا وكانط وطه عبدالرحمن. وفي هذا المساق أيضا -من حيث النشأة الأخلاقية والدينية عند الإنسان- يقول عالم الأمراض الأولية فرانس دي وال 8(Frans de Waal): “إن التعاطف هو أمر أساسي تمامًا لما نسميه الأخلاق. بدون التعاطف، لا يمكنك الحصول على الأخلاق البشرية؛ فيجعلنا مهتمين بالآخرين”. بطريقة ما يحاول فرانس دي وال أن يوضح أن الأخلاق تجعلنا نمتلك حصة عاطفية فيها؛ فإذا كان الدين -وفقًا لتعريفه- هو طريقة الوجود معًا، فإن الأخلاق، التي تعلمنا عن أفضل الطرق للوجود معًا، هي جزء لا يتجزأ من ذلك أيضا9.
كما قلت فالتطور عنصر مهم في جميع جوانب الحياة بما فيها تطور الأخلاق التي لولا التطور لما كانت لتصل إلى ما هي عليه الآن من حيث ترجمة الأخلاق إلى أعراف وقوانين وأنظمة، وأن الدين سمح بهذا التطور ولم يكن العامل الوحيد الذي ظهر معه الأخلاق دون حضور لعنصر التطور. الحضارات الإنسانية تملك أيضًا مخزونها الأخلاقي؛ وهذا ما جعل الإسلام يستفيد من تلك الحضارات من حيث اطلاعه على تجاربهم ومؤلفاتهم في الأخلاق كما حدث مع الفرس الذين اعتنقوا الإسلام ونقلوا تلك التجربة والمعرفة في الأخلاق سواء من حيث الحكم والقصص أو الخبرات السياسية والعسكرية، ومن أمثالهم ابن المقفع الذي طوّر في قالب المنهج الأخلاقي من حيث إضافته في الجانب الأدبي كما في قصصه كليلة ودمنة، وهذا أيضا ما حدث عندما نقل العرب ما يخص المنهج الأخلاقي من الحضارة اليونانية كما حدث في فهمهم لكتاب الأخلاق لأرسطو10؛ ليأكدوا على ضرورة منهج التطور والارتقاء في الأفكار والاطلاع على تجارب الحضارات الإنسانية، والذي يعتبر أحد أهم أسباب صعود الحضارة الإسلامية حينها بسبب انفتاحها واطلاعها واستفادتها من الحضارات الأخرى؛ فهذا سمح لها بأن تتطور وترتقي.
تطور مفهوم الأخلاق كان له دوره ومكانته في التاريخ، والذي ساهم في تطوير ما يمكن أن نعرفه بالقانون الأخلاقي الذي أصبح جزءًا من الحياة السياسية والعلمية والاقتصادية في العالم، وكما رأينا فإن الإسهامات التي وضعها الكثير من الفلاسفة والمناهج الدينية التي جاءت قبلها قد ساهمت في تطوير فهمنا لمبادئ الأخلاق التي هي في أساسها جزء من تكويننا الإنساني بجانب العقل (الوعي) واللغة، وأن الدين كما تبين لي هو من أفضل من حافظ على المبدأ الأخلاقي وطوره داخل المجتمعات الإنسانية. وخلاصة الأمر التي تبينت في قضية الأخلاق أنها بجانب العقل واللغة فإن وجود الأخلاق دليل على إنسانية البشر، والدين -في حال تطبيق الجانب النظري منه- فإنه يجعل من المبادئ والقيم الأخلاقية في محل التنظيم والتقنين والتشريع ويخرجها بمحتواها الروحي إلى المجتمع ويساهم في تحديد مسارها دون أن تؤثر على المصالح الفردية والعامة، وبالتالي لا غرابة أن يتفوق المنهج الديني على المناهج البشرية الوضعية في النظام الأخلاقي الذي من خلاله تُنظَّمُ المعاملات وتُقنَّن وتؤسَّس القوانين داخل المجتمع. ويمكن أن نتصور -في غالب الأمر- أن كل إنسان أخلاقي هو عاقل بطبيعته، ولكن ليس كل إنسان عاقل من الضرورة أن يكون أخلاقيًا، وذلك وفق ما رأيناه من أمثلة تخص بعض المجتمعات المتحضرة والتي بمدينيتها وتفوقها الحضاري تفتقر إلى المبادئ الأخلاقية سواء في بعض النواحي أو حتى جميعها، ولهذا من السهل أن نصل لهذه المعادلة البسيطة وهي أن {العقل + الدين السليم = أخلاق مثالية}، مع تصورنا ندرة تحقق هذه المعادلة في زمن قل فيه الفهم الصحيح للدين.
المراجع:
-1الموسوعة الفلسفيّة العربيّة، المجلّد الأوّل، الاصطلاحات والمفاهيم. ص.825.
-2ينظر: الغزالي، أبوحامد. إحياء علوم الدين، الجزء الثالث. ص. 56.
-3ينظر: دوز، كريمة. الأخلاق: بين الأديان السماوية والفلسفة الغربية. الطبعة الثانية. ص.30.
-4ينظر: زكي، مبارك. الأخلاق عند الغزالي. مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة. ص. 165-166.
-5ينظر: مقابلة منشورة اجراها مالك التريكي مع طه عبدالرحمن. طه عبدالرحمن. الفلسفة والأخلاق ج4. موقع الجزيرة.
https://www.aljazeera.net/programs/approaches/2006/6/10/%D8%B7%D9%87-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AD%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%AC4 تاريخ الزيارة 10/06/2020 الساعة 11 صباحًا.
-6ينظر: المصدر السابق.
-7المصدر السابق (نُقل بتصرف).
-8عالم حيوانات وسلوك حيواني ونفس هولندي معاصر متخصص في الرئيسات. يعمل أستاذًا لعلم سلوك الرئيسات. وُلد عام 1948.
9- Brandon Ambrosino 2019, How and why did religion evolve?. BBC. https://www.bbc.com/future/article/20190418-how-and-why-did-religion-evolve. Viewed 5th June 2020, 12:00 PM.
-10ينظر: أمين، أحمد. ظهر الإسلام: الجزء الثاني. دار ابن الجوزي. 2010. ص.130.
*حررته “بتصرف” من كتابي “هكذا نتطور (فلسفة التطور في عالم الإنسان والأفكار والأشياء)”، الطبعة الأولى (2020) عن مؤسسة اللبان للنشر.