حمدان بن علي البادي
إذا كانت الطيور تقف على شجرة التين وتؤذيها كما تقول القصة فكيف السبيل لمنعها والحفاظ على الأشجار؟ هل سنكون مجبرين على قطع الشجرة أم قتل كل الطيور، أم أننا سوف نبحث عن آليات وطرق تعزيز الحماية حتى نحافظ على الشجرة دون أن نؤذي الطيور؟.
جميعنا يتذكر المصطلح الذي كنا نردده ونسمعه كثيرا “الغزو الثقافي”، هذا المصطلح الذي اختفى الآن بعد أن كان سيّد كل الأحاديث، وكان يرد في كل موضوع مصحوبا بالتحذير والتنبيه من أدواته وأشكاله، والتي كان من أبرزها انتشار الفضائيات وتعددها إلى جانب مجموعة من الظواهر التي كانت تشكل -كما كان يعتقد الخيّرين من الناس- خطرا على شباب الأمة وبناتها.
دار الزمان دورته وتعايش الناس مع ما يحيط بهم، ونجا الجميع من الغزو الثقافي، وجاء الإنترنت مصحوبا بكل شيء، ولم تتمكن الجهات الرقابية من حجب المواقع المشبوهة ولا غرف الدردشة الخاصة، وأصبحت القرية الكونية الصغيرة التي أوجدتها الفضائيات بمثابة نافذة في بناية يفتحها الفرد ليطل من خلالها على العالم، وأحيانا يفتحها ليطل العالم على بيته وحياته.
الشيء الوحيد الذي ظل ثابتا هو التعامل مع ما يحيط بنا من متغيرات وطرق التوعية، خوفا من انتشار الأفكار ورواجها في المجتمع، والسعي لقتل الفكرة والاشتغال على ذلك دون السعي لتحصين الأبناء وتجهيزهم للتعامل مع مختلف المتغيرات، من مبدأ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
يعود هذا الحديث من جديد مع انتشار المساحات الحوارية على منصة “تويتر” وقبلها غرف الدردشة على منصة “كلوب هاوس” -والتي تم حجبها دون تبيان السبب- هذه المساحات التي نشطت مؤخرا ووجدت رواجا كبيرا، وكانت مواضيعها تدور حول الثالوث المثير: “الدين والمثلية والنسوية”، هذه الموضوعات أخذت مساحة من الجدل بين المؤيد والمعارض وتصدى لها بعض الناس الخيّرين وحذروا الناس من الخطر المحيط بهم.
في اعتقادي إن ما دار في هذه المساحات لا يساوي نقطة من بحر ما يدور في الإنترنت، والإنسان مخير بين أن يكون جزءا من هذه الحوارات أو البحث عن حوار آخر، وهذه المساحات فرصة لإدراك الأفكار التي تشغل اهتمام شريحة من أبناء المجتمع وهي موجودة منذ القدم ومنتشرة، والوصول إليها سهل في ظل العوالم المفتوحة دون حدود أو قيد وبلمسة زر من شاشة الهاتف المحمول، وبالتالي تجاذب أطراف الحديث بين مؤيد ومعارض قد يؤدي إلى تعزيز الوعي بشأنها، وبالتالي يجب تنشئة الأبناء على التعاطي مع مختلف الأفكار وفهمها.
أما الثوابت والخطوط الحمراء ولمن يتجاوزها فهناك أطر تشريعية من شأنها أن تتصدى لتلك الهجمات، لتبقى الفكرة هي الأساس دون تجاوزها أو الاختلاف مع الآخرين ومصادرة رأيهم، والإنترنت يعج بكل شيء والوصول إليه متاح للجميع.
لذا هل الحل يكون في المطالبة بحبس كل من يبدي رأيا لا يروق لنا؟! أم بقطع خدمة الإنترنت أم بأي شكل من أشكال التواصل بين الناس، أم بالانشغال بتهيئة الأبناء ليكونوا أكثر قدرة للتعامل مع كل المتغيرات التي تمر بهم؟.