أحمد بن علي الصبحي*
العلاقات العُمانية – السعودية المتجذرة منذ الماضي والمتنامية في الحاضر تبشر بمستقبل زاهر وواعد للبلدين الشقيقين وشعبيهما. هذه العلاقات بين البلدين الجارين الاكبر مساحة في منطقة الخليج العربي تشهد نشاطا كبيرا ومكثفا في مختلف المجالات وعلى رأسها المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية. كما شهدت هذه العلاقات الراسخة بين البلدين خلال الأيام والأسابيع الماضية توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم و الزيارات المتبادلة. و اليوم قد كللت هذه العلاقة المتميزة بين البلدين الاخوين المتطلعين لمستقبل زاهر بزيارة رسمية لجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد_حفظه الله_ إلى الشقيقة المملكة العربية السعودية بدعوة كريمة من أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود_حفظه الله_ وهي الزيارة الخارجية الأولى منذ تولي السلطان هيثم مقاليد الحكم في السلطنة في يناير من العام الماضي، و في مطلع السبعينيات كانت المملكة أيضا هي الوجهة الرسمية الخارجية الاولى التي قام بها السلطان الراحل قابوس بن سعيد،طيب الله ثراه، بعد تقلده مقاليد الحكم في البلاد وفي ذلك إشارة واضحة إلى أهمية العلاقات العُمانية – السعودية على مختلف الأصعدة وعلى مختلف الأوقات. وتأتي هذه الزيارة الرفيعة المستوى التي يقوم بها جلالة السلطان هيثم في ظل وجود رغبة مشتركة بين البلدين الشقيقين لتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات خدمة للمصالح المشتركة الاستراتيجية للبلدين وشعبيهما الشقيقين.
ينفذ البلدين رؤى استراتيجية مستقبلية طموحة تتمثل في رؤية عمان 2040 ورؤية المملكة 2030، هذه الرؤى تهدف إلى بناء مستقبل أكثر إشراقا وأكثر للبلدين الشقيقين وشعبيهما، و كذلك الانتقال بالبلدين من الاقتصاديات المعتمدة على النفط إلى الاقتصاديات التي تقوم على الابتكار والمعرفة. وتنطلق تلك الرؤى المستقبلية الطموحة من خلال تنفيذ العديد من الخطط والبرامج الاقتصادية والاجتماعية والاستفادة من جميع الفرص الممكنة وكذلك وتحويل التحديات إلى فرص للوصول إلى ذلك المستقبل المزدهر كما يخطط له.
السلطنة تستشرف المستقبل من خلال رؤية عمان 2040 ، والتي تحظى بمتابعة واهتمام بالغ على مختلف الأصعدة والمستويات من اجل تحقيق هدفها الأسمى وهو الوصول بعمان إلى مصاف الدول المتقدمة. وقد تم وضع اللبنات الأولية لهذه الرؤية في ديسمبر 2013، عندما أمر السلطان الراحل _المغفور له بإذن الله_ قابوس بن سعيد_طيب الله ثراه_ بتشكيل لجنة رئيسية للرؤية برئاسة جلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ، عندما كان جلالته المعظم وزيرا للتراث والثقافة، وهي إشارة واضحة إلى أهمية هذه الرؤية في صنع مستقبل عمان المزدهر، بإذن الله. ولقد أقرت الرؤية من قبل جلالة السلطان هيثم بن طارق في ديسمبر 2020، وجاء في خطاب إقرارها : “إن رؤية عُمان 2040 هي بوابة السلطنة لعبور التحديات، ومواكبة المتغيرات الإقليمية والعالمية، واستثمار الفرص المتاحة وتوليد الجديد منها، من أجل تعزيز التنافسية الاقتصادية، والرفاه الاجتماعي، وتحفيز النمو والثقة في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية في جميع محافظات السلطنة”.
تسعى رؤية عمان 2040 إلى تحقيق اهداف رئيسية عدة من أهمها في الجانب الاقتصادي هي زيادة متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 90%، وتحسين تصنيف السلطنة ضمن مؤشر التنافسية العالمية لتصبح ضمن أفضل 20 دولة، كذلك رفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 5%، و رفع نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر من إجمالي الناتج المحلي إلى 10%، بالإضافة إلى رفع نسبة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 90%.
في السياق نفسه، تستشرف السعودية المستقبل من خلال رؤية المملكة 2030 وهي رؤية الحاضر للمستقبل كما وصفها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله. الرؤية تعكس الطموحات والقدرات الكبيرة للمملكة العربية السعودية في مختلف المجالات. ترتكز الرؤية السعودية 2030 الطموحة على ثلاثة عوامل قوة يتمثل العامل الأول في العمق العربي والإسلامي الذي تمثله المملكة العربية السعودية، والعامل الثاني هو القدرة الاستثمارية الضخمة التي تمتلكها السعودية، كما يمثل الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمملكة العامل الثالث الذي تركز عليه السعودية لإنجاح رؤيتها المستقبلية الطموحة. و يقف وراء عوامل النجاح الثلاثة تلك القيادة السعودية المصممة على النجاح ، وكذلك الشعب السعودي الطموح .
تهدف الرؤية السعودية في الجانب الاقتصادي بنهاية 2030 إلى رفع حجم الاقتصاد السعودي من المرتبة التاسعة عشر إلى المراتب الـ (15) الأولى على مستوى العالم، و رفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي من (2%) إلى (35%)، وكذلك رفع نسبة المحتوى المحلي في قطاع النفط والغاز من (40%) إلى (75%)، و رفع قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة من (600) مليار ريال سعودي إلى ما يزيد على سبعة تريليونات ريال سعودي، بالإضافة إلى الانتقال من المركز (25) في مؤشر التنافسيّة العالمي إلى أحد المراكز الـ (10) الأولى، كذلك تهدف الرؤية السعودية الطموحة إلى رفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من إجمالي الناتج المحلي من(3.8%) إلى المعدل العالمي (5,7%)، و الوصول بمساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي من (40%) إلى (65%)، و كذلك رفع نسبة الصادرات غير النفطية من (16%) إلى (50%)على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وزيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من (163) مليار سعودي إلى (1) تريليون ريال سعودي سنويًا.
أن مكامن القوة في البلدين الشقيقين الجارين كالموقع الجغرافي الاستراتيجي المطل على المحيط الهندي من ناحية السلطنة، والبحر الاحمر من ناحية المملكة بالإضافة إلى الإشراف على ممرات بحرية هامة يمكن ان تتكامل لتحقيق أهداف رؤية عمان 2040 ورؤية السعودية 2030. بالإضافة إلى أن القوة الاستثمارية الضخمة للمملكة يمكن أن تتكامل مع المشاريع و الفرص الاستثمارية الواعدة في السلطنة، كما يمكن ان تتكامل الخبرة والقوة الدبلوماسية التي تتمتع بها السلطنة مع قوة الحضور الاقليمي و العالمي للمملكة العربية السعودية . في النهاية، بلا شك ستعمل أوجه التكامل الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي والاجتماعي والثقافي بين المملكة والسلطنة على تحقيق المصالح الاستراتيجية المشتركة والمتنامية بين البلدين الشقيقين وشعبيهما.
*رئيس مركز مسقط لدراسات المستقبل