بدر بن سالم العبري
في صباح يوم الأربعاء 10 أبريل بعد جدول المشي صباحا انتظرت الأستاذ عبد الله محفوظ، وقد كتب لنا موعدا مع سماحة العالم السّيد عبد الله الغريفي في التّاسعة صباحا، وهو من أكبر المرجعيات الدّينيّة الشّيعيّة في البحرين، وحاصل على مرحلة الاجتهاد، من شيوخه الإمام أبو القاسم الخوئي [ت 1992م]، والسّيد الشّهيد محمّد باقر الصّدر [ت 1980م]، والسّيد محمّد حسين فضل الله [ت 2010م]، والدّكتور عبد الهادي الفضلي [ت 2013م]، وله العديد من البحوث الدّينيّة.
وصل الأستاذ المحفوظ إلى النّزل، ثمّ ذهبنا إلى منطقة السّهلة الشّماليّة من ضواحي المنامة حيث منزل سماحة الغريفي، فوصلنا قبل الموعد بفترة، وفي بداية الدّخول إلى البيت توجد غرفة ملحقة بالباب، وفيها حارس، يقوم بتفتيش بسيط أثناء الدّخول، ويطلب الهاتف، فقلت له أريد أصوّر مع سماحته، فقال لي مبتسما: سنصّور ونرسل لك، ثمّ دخلنا المجلس مباشرة على اليمين بعد الدّخول من الباب الصّغير للبيت.
وعموما بيته متواضع جدّا، ومجلسه ليس كبيرا، وهذه عادة وجدتها مع علماء الشّيعة الإماميّة ولو سكنوا في أماكن راقية تجدهم في قمّة الزّهد وعدم التّكلف، فدخل علينا السّيد الغريفي من الباب الصّغير المقابل لنا داخل المجلس، يمشي بوقار، وعليه سمت العلماء، فرّحب بنا، وسألني عن عُمان، وعن النّتاج المعرفي، فأهديته كتابي: فقه التّطرف وإضاءة قلم، فسألني هل هما بحوث علميّة، فقلت له: لا، مجرد إضاءات فكريّة.
وهنا لمّا رأيته كأنني أرى السّيد محمّد حسين فضل الله، وكنت في لبنان 2005م، وكنت أرجو زيارته، لما له من تأثير في نفسي حينها، ولكن الوضع السّياسي حينها في لبنان لم يتح ذلك، وكنّا للدّراسة في كليّة الآداب بجامعة القدّيس يوسف المشهورة باليسوعيّة، إلا أنّه استدعينا للتّحقيق مرتين لبيان سبب المجيء إلى لبنان، مع أنّه حجزنا ساعتين في المطار، وحقّق معنا، وقلنا لهم سبب المجيء هو الدّراسة، وعندنا ما يثبت ذلك، وهنا تدخل الدّكتور أهيف سنّو [معاصر] وكان من رموز جامعة القدّيس يوسف، وطلب منا عدم الخروج والتّنقل إلا من السّكن إلى الجامعة، وكنّا لحسن الحظ نسكن قريبا من الجامعة، ومع هذا استفدنا حينها من العلّامة أسامة الرّفاعي [معاصر]، فكنّا نذهب إليه في مسجد عثمان بن عفان، وكان قريبا منّا، وأصبح فيما بعد قاضي قضاة طرابلس لبنان.
عموما وجدت سمت وصورة فضل الله في السّيد الغريفي، لهذا جرّنا الحديث عن السّيد فضل الله، وعن جهوده الإصلاحيّة ودوره التّنويري والإنساني، كذلك تضمّن اللّقاء جوانب معرفيّة وبحثيّة خصوصا داخل المدرسة الإماميّة، وأتصوّر تحدّثنا أيضا عن المدرسة الأخباريّة، وعن المدرسة الإحسائيّة والشّيرازيّة، كذلك تحدّثنا عن رحلتي إلى قم، وقلت له الرّحلة موثقة في كتاب إضاءة قلم.
وبعد هذا اللّقاء السّريع الّذي لم يتجاوز نصف ساعة خرجنا من عنده، وودعنا إلى باب المجلس، وكان يدخل بين فترة وأخرى شاب رحّب بنا أتصوّره ابن الشّيخ أو تلميذا له، وقام بالتّصوير، وودعنا إلى الخارج، وأخذنا هواتفنا، واعتذروا لنا بشأن الهواتف؛ لأنّ هذا من باب الاحترازات الأمنية، وفعلا وصلتنا الصّور مباشرة بعد الخروج، وسعدت كثيرا بهذا اللّقاء وإن كان سريعا، وغرّدت يومها في تويتر: “آية الله المرجع البحريني السّيد عبد الله الغريفي من تلامذة السّيد محمّد حسين فضل الله (ت ٢٠١٠م) رحمه الله، لقاء تضمّن العديد من النّقاشات الوحدويّة والفكريّة والتّعايشيّة وبعض المراجعات”.
بعد هذا ذهبنا إلى منطقة السّنابس، وهي قرية ساحليّة، قصدنا فيها مطعما شعبيّا لتناول الفطور اسمه شاي كافيه مقابل مجمع البحرين التّجاري، فصعدنا إلى الطّابق العلوي للمطعم، ويقدّم المطعم الوجبات البحرينيّة والخليجيّة الشّعبيّة، وهو مطعم نظيف وراق مع البناء الشّعبي.
ثمّ ذهبنا إلى شارع أو مجمّع الأديان في البحرين، وهو شارع بالمنامة يوجد فيه مساجد للسّنة والشّيعة وحسينيات وكنيسة للمسيحيين الإنجيليين وكنيس لليهود ومعبد للهندوسيّة والبوذيّة، وكان لدينا موعد مع القس هاني عزيز، مصري، القائم في الكنيسة المشيخيّة، وهي كنيسة إنجيليّة كالفينيّة بروتستانتيّة مسيحيّة.
وصلنا في الوقت المحدد قرب الحادية عشر ظهرا، ووجدنا القسّ هاني عزيز ينتظرنا، وهو رجل يحمل همّ التّعايش، وعميق في المعرفة المسيحيّة، وكان مبتسما جدّا ومتواضعا، وهنا عرّفنا بالكنيسة، وهي تختلف عن الكنائس الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة وبعض الكنائس البروتستانتيّة إذ لا يوجد فيها تصاوير، ولم نر خلف هيكل الكنيسة غرفة المذبح أو القربان، مجرد مجسم الصّليب أمام الهيكل، وعموما كان دخول الصّور والتّماثيل إلى الكنيسة متأخرا جدّا تقريبا بعد 600م، ودخلت في الكنيسة الكاثوليكيّة الّتي انبثقت منها البروتستانتيّة بعد القرن الثّاني عشر الميلادي.
وفي هيكل الكنيسة سجلنا حلقة حول المذهب المسيحي الإنجيلي المشيخي ضمن برنامج حوارات الحلقة التّاسعة والثّلاثين، وهي أول حلقة أسجلها مع مذهب مسيحي، عدا مذهب شهود يهوه كما رأينا في الرّحلة الشّيكاغيّة، إلا أنني في الرّحلة التّكساسيّة سجلت مع الأرثوذكسيّة واللّوثريّة والمعمدانيّة والمورمون وغيرها، كما سجلت لاحقا مع المورانة في لبنان، ولي أمل أن أكمل باقي العمل مع جميع الكنائس المسيحيّة وباقي الأديان، وقد بثت الحلقة على قناة أنس اليوتيوبيّة في اليوم نفسه.
في بداية اللّقاء بيّن أنّه في القرن الخامس عشر الميلادي كانت الكنيسة في الغرب مسيطرة على النّاحية السّياسيّة والدّينيّة من خلال البابوات والبطاركة، فلمّا دخلت الكنيسة في السّياسة حدث تشويه للمسيحيّة وللكتاب المقدّس، ففرضوا سيطرتهم على الشّعب، وغيّب الشّعب عقليّا، فخرجت تعاليم فاسدة من الكنيسة لأجل مصلحة البابوات والبطاركة مثل محاكم التّفتيش وصكوك الغفران.
وسط هذا الظّلام كانت أنوار خافتة، ومن هذه الأنوار العالم المسيحي مارتن لوثر [ت 1546]، وكان يدّرس اللّاهوت في جامعات ألمانيا، وأدرك جيّدا التّعاليم المسيحيّة، وقرأ آية في الكتاب المقدّس غيّرت فكره وحياته، وهي: “أمّا البار فبالإيمان يحيا، وإن ارتدّ لا تسّر به نفسي” [الرّسالة إلى العبرانيين، إصحاح 10، آية 38]، وأدرك أنّ البار يحيا بالإيمان وليس بصكوك الغفران ولا محاكم التّفتيش.
وقام لوثر بنشر هذا الفكر، وكتب تسعا وتسعين اعتراضا على الكنيسة، وعلّقها على باب كنيسة القدّيس بطرس، من هنا جاءت كلمة البروتستانت أي الاعتراضات، ولاقى صعوبات شديدة من القيادة الكنسيّة، فحكموا بهرطقته وإهدار دمه، ومن عناية الله أنّ الامبراطور حمى مارتن لوثر، فبدأ له أتباع يقرأون الكتاب المقدّس، ويدركون التّعاليم الصّحيحة.
ومارتن لوثر لم يرد إنشاء طائفة جديدة، وإنّما كان يريد الإصلاح، وبسبب رفضهم انتشرت تعاليمه، وقام بترجمة الكتاب المقدّس إلى لغة النّاس تفهمها، فبدأ الوعي الرّوحي ينتشر بين النّاس.
ثمّ أتى مصلحون آخرون مثل جان كالفن [ت 1564م]، وعاصر مارتن لوثر، وجمع بينهم الإصلاح، فلمّا لم يرد لوثر الخروج من عباءة الكنيسة الكاثوليكيّة؛ كان جان كالفن قد بدأ يوّضح بعض الأمور بعيدا عن هذه الكنيسة، مثل مفهوم الكتاب المقدّس، ومفهوم تعاليم السّيد المسيح، لهذا تبنت الكنيسة الإنجيليّة المشيخيّة تعاليم جان كالفن المستخرجة من الكتاب المقدّس.
وسمّيت بالمشيخيّة لأنّ جان كالفن تحدّث عن نظام للكنيسة يديره أناس لهم قدرة في التّعليم، ومشهود لهم بذلك، ويكونون منتخبين من شعب الكنيسة، وحين انتخابهم يسمّون شيوخا، ولهذا سميت بالمشيخيّة حيث تدار من هؤلاء الشّيوخ وهم نوعان: الشّيخ المعلّم أي القسّيس الّذي يعلّم الشّعب ويرشدهم، والشّيخ المدبر مثل الأمور الإداريّة في الكنيسة، ثمّ الشّمامسة، والشّماس مسؤول مثلا عن النّاحية المالية للكنيسة، ومساعدات الكنيسة الاجتماعيّة، وفعاليات الكنيسة.
أمّا الكنيسة الإنجليكانيّة فهي الكنيسة الإنجليزيّة، وشكل هذه الكنيسة يختلف قليلا عن الكنيسة المشيخيّة، فممكن تجد في الإنجليكانيّة بعض الصّور والتّماثيل، أمّا الإنجيليّة واعتمادا على الكتاب المقدّس: “لا تصنع لك تمثالا منحوتا، ولا صورة ما ممّا في السّماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض، لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ، لأنّي أنا الرّب إلهك إله غيور” [سفر الخروج، الإصحاح: 20، آية: 4]، فالنّهي عن عبادة التّماثيل والصّور والتّبرك بها لأنّها أشياء وثنية، ولكن ممكن تضعها في البيوت إذا كانت ليست للعبادة.
أمّا صور السّيد المسيح المنتشرة فهي ليست صورته الحقيقيّة، ولا يمكن الجزم بذلك، فمثلا الأفارقة السّود في أعياد الميلاد عندما يحطّون صورة للطّفل الّذي هو رمز السّيد المسيح يكون أسودا، وفي الصّين يأتون بطفل شكله صيني، فكل بيئة تسقط ثقافتها، كذلك المسيح ولد في أرض فلسطين، وفي بيئة صعبة، وكان يوسف النّجار يعمل نجارا، والمسيح يعمل معه، فكيف يكون شعره ناعما، ويده لينة، الأصل له عضلات مع سمرة في وجهه من العمل.
والكنيسة الإنجيليّة هي الإطار الجامع، داخلها الكنيسة المشيخيّة، والكنيسة المعمدانيّة، والكنيسة الرّسوليّة، والكنيسة الخمسينيّة، وكنيسة الأخوة، مثلا تفترق عن الكنيسة المعمدانيّة أنّ المعمدانيّة لا تعمّد الأطفال، ولكن تعمّد الكبار بعد استقلال الإيمان، وهذا عكس الكنيسة المشيخيّة فهي تعمّد الأطفال؛ لأنّ الأطفال جزء من البيت المسيحي حسب الولادة.
وفي الجملة أنا أومن بتعدد المذاهب، ولست ضدّها، بل هو إثراء، ولكن ضدّ الابتعاد عن التّعاليم الأساسيّة للسّيد المسيح والكتاب المقدّس، لهذا لا نعتبر شهود يهوه والمورمن أصحاب كنائس ولا مسيحيين.
فنحن مع التّعايش بين المذاهب والأديان، وما جاء في آية الكتاب المقدّس: “لا تظنّوا أنّي جئت لألقي سلاما على الأرض، ما جئت لألقي سلاما بل سيفا” [إنجيل متّى، الإصحاح: 10، آية: 34]، فالآيات الّتي قبلها تتحدّث عن التّعايش والمحبّة وقبول الآخر، وهذه الآية تعني لمّا يأت شخص من خلفيّة غير مسيحيّة، أو فيه أسرة مسيحيّة غير متدينة، ولهم ابن قد تدين، فالّذي جاء من خلفيّة غير مسيحيّة، ويدخل في المسيحيّة يجد اضطهادا كبيرا من جماعته، فهنا يعيش اجتماعيّا في تعب وألم، وكأنّ سيفا ينزل إليه، وكذا الحال مع الأسرة المسيحيّة غير المتدينة يجد من تدين من أبنائهم اضطهادا منهم.
ثمّ أننا لا ننظر إلى دور العبادة كحيطان وسجّاد، ولكن في دور العبادة معلّمون وأناس، فهذه المنظومة يجب أن تسير باعتدال ووسطيّة، وفق الوحي المقدّس، فإذا قدّم هذا التّعليم بشيء من التّطرف وكراهيّة الآخر، فتكون الكنيسة سببا في نشر روح التّعصب والكراهيّة، وكذا الحال عند المسجد والكنس.
وأمّا عقيدنا فنحن في الكنيسة المشيخيّة نقول: “بسم الله الموجود بذاته، النّاطق بكلمته، الحيّ بروحه، الإله الواحد، آمين”، “بسم الله الموجود بذاته” أي الله واحد، أوجد ذاته، ولم يوجده أحد، ولم يتدخل أحد في ذاته، موجود من الأزل وحتّى الأبد، وهو مصدر كلّ شيء، ويعبّر عنه في الكتاب المقدّس باسم الأب، والأب ليس بمعنى التّناسل، فهو كلّمنا عن طريق أنبيائه بكلمات نفهمها، فأب نفهما بأنّه الخالق المصدر لكلّ شيء، ونحن أبناؤه ليس بمعنى التّناسل، وإنّما بالخلق.
“النّاطق بكلمته”، أي متكلّم، فقد تكلّم إلى الأنبياء والرّسل، فصفاته ذاتيّة وليست مضافة، ولا تنزع، ومنها كلمته، وعليه صفاته أيضا أزليّة وأبدية، وبما أنّ صفة الكلام سابقة للخلق، فمع من كان يتكلّم؟ كان يتكلّم مع نفسه، وعبّر عن هذه الكلمة في الكتاب المقدّس بأنّها السّيد المسيح، وفي القرآن: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النّساء/ 171]، وفي إنجيل يوحنا: “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله” [إنجيل يوحنّا، الإصحاح: 1، آية: 1]، ، فكلمة الله أي الرّب يسوع المسيح.
“الحيّ بروحه” أي الرّوح القدس، والسّؤال هنا: هل الله واحد أم ثلاثة؟ إيماننا الله واحد، والمسيح يقول: “اسمع يا إسرائيل، الرّب إلهنا رب واحد” [سفر التّثنية، الإصحاح: 6، آية: 4]، ، ولكن وحدانية الله الّتي يعلن عنها الكتاب المقدّس ليست وحدانية مفردة، فالإنسان مثلا يتكوّن من جسد ونفس وروح، لكن الإنسان واحدا وليس ثلاثة، ولهؤلاء الثّلاثة وظائف معينة، ولمّا تكتب خطابا مثلا، أنت تجسّد الفكرة إلى كلمات، ثمّ ترسلها إلى المرسل إليه، فهي عند المرسل إليه لكنّها أيضا عند المرسل، فالمسيح هو كلمة الله وروحه منذ الأزل، فلمّا ولد المسيح لم يكن له أب جسدي، وإنّما لديه أم أي القدّيسة العذراء مريم، فالمسيح ابن الله لا يعني له أب جسدي، وإنّما أنزل الله روحه القدّوس في بطن العذراء مريم، وألقى كلمته في بطنها، فكان السّيد المسيح، فهو ابنه بالرّوح وليس بالتّناسل والجسد، لهذا للمسيح طبيعتان: طبيعة إلهيّة أي روح الله وكلمته، وطبيعة جسديّة ناسوتيّة من السّيدة العذراء مريم.
والصّليب محور المسيحيّة، ويتضمّن معنى الفداء والبذل والمحبّة والخلاص، فهو جوهر وأساس تعاليم المسيحيّة.
ونحن نؤمن بالعهدين القديم والحديث، ونؤمن بالأناجيل الأربعة متّى ومرقس ولوقا ويوحنا وأعمال الرّسل، وأمّا إنجيل برنابا ويهوذا ومريم المجدليّة وبطرس وغيرها فهي أناجيل غير قانونيّة، وعلماء الكتاب المقدّس يفحصون أزمنة الكتابة ونوعها، ونوع الورق المكتوب فيها، والحبر المستخدم، وهذه الأناجيل بعد الفحص تبيّن أنّها كتبت من أناس أرادوا لها من القداسة فعزوها إلى القدّيسين، وبعد فحص الأدلّة الدّاخليّة والخارجيّة تبين أنّها ليست قانونيّة.
وأمّا في فقه الكنيسة المشيخيّة فيها سرّان أساسيان*: سر التّناول أو العشاء الرّباني الأخير، أي قبل الصّلب حيث كان المسيح مع التّلاميذ في العلّيّة، وأكل معهم الفصح، وبدأ يعطي فكرا لاهوتيّا أبعد من الفصح، وقال لهم كلوا هذا جسدي واشربوا هذا دمي، والسّر الثّاني المعموديّة، وهي علامة خارجيّة لحقيقة داخليّة، فنعمّد الأطفال باسم الثّالوث الأقدس، الاب والابن والرّوح القدس، وأمام الكنيسة نشهد أنّ المعمّد أصبح مسيحيّا بهذه المعموديّة، وبه يتحمّل الوالدان أو الأسرة تعليم الولد التّعاليم المسيحيّة، ويترتب على الكنيسة مساعدة هذين الوالدين أو الأسرة عن طريق التّعليم ومدارس الأحد المسيحيّة.
وأمّا أركان الصّلاة فهي أولا القراءة من الكتاب المقدّس بالعهدين القديم والحديث، والثّاني: التّرانيم حيث يكلّم ربّه فيقول: أنت عظيم يا الله، عظيم في محبّتك، عظيم في شفائك، عظيم في سلطانك، فيأتي واحد ويضع عليها لحنا فتصبح ترنيمة، والثّالث: شرح الكلمة، فتقرأ جزءا من الكتاب المقدّس، ويقوم القسّيس بشرح هذا الجزء للنّاس كخطبة مسيحيّة، والرّابع: العطاء أي نمرر على النّاس صندوقا صغيرا الّذي يحب يتبرع بأي مبلغ نسّميه العطاء لمصاريف الكنيسة، فالكنيسة لا يوجد لها وقف، ونرفض أيّ دخل من خارج الكنيسة، وبعض الكنائس لهم أوقاف في الخارج كالمحلّات تصرف لإصلاح الكنيسة وبعض المرتبات.
ولا يوجد عندنا سر القربان، فلا يوجد مذبح في الكنيسة ولا قربان ولا نذور، ولا نستخدم البخور، ولا يوجد عندنا نظريّة الاعتراف، وهذا يكون مباشرة بين الإنسان وربّه، نعم يوجد أب روحي هو القسّيس، يتوقف دوره هنا عند المشورة والمساعدة الممكنة فقط.
والصّيام كما يقول السّيد المسيح: “وأمّا انت فمتى صمت فادهن رأسك، واغسل وجهك، لكي لا تظهر للنّاس صائما، بل لأبيك الّذي في الخفاء، فأبوك الّذي يرى في الخفاء يجازيك علانية” [إنجيل متّى، الإصحاح: 6، آية: 17 – 18]، فليس عندنا وقت معين للصّيام، فلا يوجد عندنا الصّيام الصّغير ولا الكبير، ولا يعرّف النّاس أنّه صائم، والصّيام من شروق الشّمس إلى غروبها، ويتخلل الصّيام قراءة الكتاب المقدّس، والصّلوات، والصّيام عن المعاصي والخطيئة والشّرور.
وعندنا عيدان أسياسيان: عيد الميلاد المجيد، وعيد القيامة، وعيد الفصح هو عيد القيامة.
وأخيرا تحدّث القس هاني عزيز أنّ الكنيسة المشيخيّة في البحرين تأسست 1906م عن طريق دكتور مرسل من أمريكا اسمه صمويل زويمر [ت 1952م]، وفي العام نفسه بنى مستشفى الإرساليّة الأمريكيّة، ثمّ بنى المدرسة الأمريكيّة، وبعدها بنى الكنيسة، وكانت في البداية عن مبنى خشبي، يصعدوا إليها عن طريق السّلالم، ويصلّي في هذه الكنيسة أكثر من ثلاثين جماعة طول الأسبوع، يستخدمها أكثر من خمسة آلاف شخصا، وفي 2001 و2002م حدثت توسعة للكنيسة لأنّ العدد قد زاد.
وفي البحرين الدّيانة الإسلاميّة هي الأساس، ولكن لمّا ننظر إلى تأريخ البحرين نجدها من القديم يوجد فيها الدّيانة المسيحيّة، وعندنا منطقة الدّير، ومنطقة سماهيج، ومنطقة قلالي، كان يوجد فيها رهبان، وشعب البحرين شعب متدين ومتمّسك بدينه، ولكن أيضا هو شعب منفتح على الآخر، مهما كان هذا الآخر، وإذا جئنا إلى حكومة وحكّام البحرين نحن نتحدّث عن الأجداد؛ لأنّ التّسامح والتّعايش لا يمكن أن يكون وليد لحظة، وإنّما يدل على خلفيّة تأريخيّة تمكن فيها، وموقعها الجغرافي ساعد على ذلك لهذا سميت بأرض الخلود، وجلالة الملك وهو رأس البلد يتحدّث دائما عن التّسامح والتّعايش وقبول الآخر، فهذا يسقط على النّاس.
وبعد نهاية التّسجيل ودعنا القس هاني عزيز، وهنا مررنا على مستشفى الإرساليّة الأمريكيّة في البحرين، ملاصقا أو قريبا من الكنيسة، وجاء في الموسوعة العالميّة ويكبيديا: “تأسس في عام 1903م كمستشفى ميسون التّذكاري، وكان أول مستشفى في البلاد والسّاحل الغربي من الخليج العربي”، ولا زال المستشفى يعمل حتّى اليوم.
ثمّ بعد هذا اللّقاء نتوجه إلى القطيف بالمملكة العربيّة السّعودية، تلبية لدعوة الغداء من قبل سماحة الشّيخ حسن الصّفار كما سنرى في الحلقة القادمة.
- الّذي يمارس في الكنيسة يسمى السّر، والمعروف في الكنيستين الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة بالأسرار السّبعة، مع خلاف في بعض تفاصيلها، ولهذا تختلف الكنائس البروتستانتيّة كما في المشيخيّة فيؤمنون فقط بسرين، وفصلنا ذلك في الرّحلة التّكساسيّة أثناء الحديث عن الكنيسة الأرثوذكسيّة.