سامر بن محمد البلوشي
التعلم باللغة الأم (اللغة العربية) في المرحلة الجامعية يعد الحافز الأول على الابداع واكتساب العلوم والمعارف بشكل أفضل، وهذا ما تنبهت به الدول الرائدة في مجال التنمية والتي لزمت في تعليمها اللغة الأم وركزت عليها في تعاملاتها لإدراكها أهمية ذلك في نهضتها التنموية.
إن أهمية التدريس الجامعي باللغة الام (اللغة العربية) أصبح أمرا محسوما بفعل التقارير والدراسات التي تؤكد ذلك وتؤيد اعتماده وتوصي به، حيث أوصت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة التابعة لمنظمة اليونسكو اثناء تخليدها لليوم العالمي للغة الأم في 21 فبراير 2016 بضرورة التدريس الجامعي باللغة الأم كاشفة في تقاريرها حول الموضوع “إن أفضل الدول الرائدة علميا تدرس بلغتها الاصلية” كما أكدت دراسات أممية أخرى أن 19 دولة تتصدر العالم تكنولوجيا يرتكز تعليمها على اللغة الام وعليها يرتكز البحث العلمي. وفي دراسة حديثة أجريت حول أفضل 500 جامعة عالمية في 35 دولة تبين أنها جميعا تدرس بلغتها الام. هذا لا يعني أن اللغات الثانية أو الأجنبية ليست بذات الأهمية وإنما يؤكد على أهمية ومحورية اللغة الام بوصفها مكمن قوة وعامل أساسي في صنع مستقبل زاهر وآمن، وهنا نضيف خطاب المديرة العامة لليونسكو سابقا – ايرينا بوكوفا التي قالت:” يجب علينا الإقرار بهذه القوة الكامنة في اللغة الأم وتعزيزها كي لا يتخلف أحد عن الركب، ومن أجل صنع مستقبل أكثر عدلا واستدامة للجميع”.
كذلك الخبراء اللغويين والتربويين ينصحون بالتعليم الأساسي والجامعي باللغة الأم مما يساهم في الانفتاح على العلوم والتكنولوجيا.
إن المتتبع للدراسات والنقاشات الدائرة حول أهمية التعليم باللغة الأم يظهر أنه شغل حيزا كبيرا من تفكير الخبراء وشكل شغلا شاغلا للمنظمات الناشطة في المجال وذلك نظرا لأهميته، والتي أوصى أغلبها بالتركيز على التعلم باللغة الأم واكتشاف مكنوناته الإيجابية، ومهما اتجهنا في تتبعنا لذلك نجد الأمثلة واضحة وجلية، ونجد أن أمما وحضارات قامت من لا شيء وهي الآن تنافس في المقدمة وتحتل الريادة في مجالات كثيرة وصلت ذلك بلغتها الأم، ونجد مثالا على ذلك الألمان واليابانيين وغيرهم.. فهؤلاء أدركوا قيمة التعلم باللغة الأم وانتهجوه لما وجدو فيه من تحفيز على إنتاج حصيلة علمية وعملية للفرد والمجتمع.. فلم يترك اليابانيون والألمان الذين دمرت بلادهم خلال الحروب، كل ذلك لم يدفعهم إلى ترك لغاتهم الأم لصالح المنتصر.
ومما لا شك فيه ولا جدال أن الإحساس بأهمية اللغة العربية من قبل الناطقين بها يعطيها القيمة الحقيقية، كما أن شعورهم بأهميتها واعتزازهم بذلك يدفعهم للحفاظ عليها، ومن هنا علينا جميعا أن ندرك أهمية اللغة العربية (اللغة الأم لمجتمعنا) في التحصيل العلمي ومحوريتها في التطور المعرفي، وهذا لا يعني أن اللغات الأخرى لا تشكل سندا مهما للأفراد والمجتمعات وأن إتقانها مفيدا ومكملا مهما.
ما يحصل الان هو تبن لتوجهات قديمة تدعو الى تبني اللغة الإنجليزية واستخدامها في التعليم الجامعي دون إدراك لطبيعة التخصصات العلمية ودون إدراك لآثار ذلك على مخرجات التعليم على المدى الطويل. وهناك البعض من يدعو الى ان التمسك باللغة العربية في التعليم بالتقليدية وعدم التجديد وهذا الكلام غير صحيح علميا بناءا على دراسات. التعليم باللغة الإنجليزية يتطلب وجود أساتذة يتقنون اللغة، التي يتم التعليم بها فهما وإلقاء، كما يتطلب وجود الطالب الذي يتقنها فهما واستيعابا وتحدثا وكتابة. وهذا لا يتوفر لدينا حيث ان الطالب خلال مرحلة الدراسة المدرسية تكون فترة الدراسة باللغة العربية إلا مادة واحدة وهي اللغة الإنجليزية، ومن ثم يلتحق بمرحلة الدراسة الجامعية حيث يلتحق بالبرنامج التأسيسي العام لإتقان اللغة الإنجليزية، وفي حال اجتيازه لهذه المرحلة ينتقل الى الدراسة الجامعية. هنا يكمن السؤال هل البرنامج التأسيسي سوف يؤهل الطالب بشكل كامل (فهما واستيعابا وتحدثا وكتابة) للدراسة باللغة الإنجليزية خلال مرحلته الجامعية. بالإضافة الى ان تأثير التعليم باللغة الإنجليزية له ابعاد وطنية وثقافية وعلمية لدى الطلاب، ينعكس على مجتمعهم وسوق العمل.
تدريس العلوم باللغة العربية ضرورة علمية ومطلب وطني وعربي لوجود العديد من الإيجابيات عند استخدام اللغة العربية في التدريس المتمثلة في مقدرة الطلاب على الفهم والاستيعاب والمناقشة والقراءة والكتابة بشكل أكبر مما يؤدي الى زيادة استيعابهم للمفاهيم العلمية وتحسن تحصيلهم العلمي. وكذلك سوف تساهم هذه الخطوة في توفير فرص عمل للعمانيين في مجال التدريس في الجامعات. ونود ان نضيف بان توصيات منظمة اليونسكو اوصت باستخدام اللغة الوطنية في التعليم إلى أقصى مرحلة ممكنة. نجد أن هنالك العديد من الدول التي تبنت اللغة الوطنية منها (المانيا، فرنسا، اليابان، روسيا، جورجيا). ونجد أن مشكلة إحلال العمانيين محل الأجانب الذين يتقلدون مناصب قيادية مرتبطة بشكل مباشر بموضوع التعليم، حيث لا يمكننا إحلال العمانيين محل الأجانب في المناصب القيادية في حال أن متطلبات سوق العمل العماني هي اللغة الإنجليزية.