شؤون عمانية- مروة سيف العبرية
أدرك منذ البدايات أن طريق العلوم الفقهية هي توجهه العملي، فما لبث الشيخ حمد بن عبد الله الهاشمي أن أنهى دراسته الأكاديمية في جامعة السلطان قابوس، إلا وأعاد ترتيب أوراقه من جديد للدراسة في معهد القضاء والوعظ والإرشاد، ليبحر في هذه العلوم التي أثرت في حياته وكونت شخصيته الواعظة لاسيما في المنطقة التي يقطن فيها، ولاية الكامل والوافي.
ذاع صيت الشيخ “حمد” بتأسيس فريق للعمل الخيري والتطوعي، فكان نموذجا لخدمة المجتمع، وهو الأمر الذي جعلنا نجري معه هذا الحوار للتعرف أكثر عن العمل التطوعي وأهميته ومدى نجاح تجربة فريقه.
بدايةً كيف تلخص مشوارك الجامعي وانتقالك من كلية الهندسة لكلية الشريعة الإسلامية؟
كانت رغبتي الأولى بعد الثانوية هي الالتحاق والدراسة بمعهد العلوم الإسلامية بجعلان بني بو حسن الذي كان يشرف عليه ديوان البلاط السلطاني، ولكن الوالد –رحمة الله عليه– كان يصر بأن التحق بجامعة السلطان قابوس –طيب الله ثراه- وهذه كانت برغبة منه، حاولت كثيرًا أن أقنع والدي بالالتحاق بمعهد العلوم الإسلامية ولكنه كان شديد الإصرار على إلحاقي بالجامعة، وكتب الله لي أن ألتحق بكلية الهندسة بجامعة السلطان قابوس سنة 1989م.
وفي يوم من الأيام ناداني والدي لكي أفسر له رؤيا، وذكر أنه رآني أعطيه سيفا وهذا السيف ممتد من الأرض إلى السماء، وكان يقول لي أنت من ستصلح من أبنائي.
وبعدها سألني ما تفسير هذه الرؤيا أجبته: الهداية والله أعلم، ومن بعد هذه الرؤيا وافق على انتقالي من جامعة السلطان قابوس إلى معهد العلوم الإسلامية الذي كان يعرف سابقًا بمعهد القضاء والوعظ والإرشاد، فانتقلت من السنة الثانية من كلية الهندسة إلى معهد القضاء الشرعي والوعظ والإرشاد.
وخلال فترة السنتين التي قضيتها في جامعة السلطان قابوس كنت مهتما بقراءة الكتب الفقهية وذلك لرغبتي في تعلم هذا المجال وتعليمه للناس، وبعد هذا انتقلت لمدة 4 سنوات للدراسة في معهد العلوم الإسلامية في روي عام 1991م.
وكيف التحقت بالعمل في وزارة الأوقاف؟
بعد تخرجي من معهد العلوم الإسلامية انتظرت الوظيفة لمدة 9 أشهر، وبعدها طُلبت للعمل في وزارة الأوقاف وذلك بطلب من سماحة الشيخ أحمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، حيث طلبني للمقابلة وتم تخييري في هذه المقابلة بين ثلاثة وظائف شاغرة في ذلك الوقت، وهي وظيفة إمام في جامع السلطان قابوس الأكبر بالبريمي، ومرشد في جامعة السلطان قابوس، وواعظ في ولاية الكامل والوافي.
اخترت أن أكون واعظًا في ولاية الكامل والوافي؛ لكونها الولاية التي أقطن فيها، فكان هدفي الأساسي هو إصلاح وتعليم أبناء ولايتي، وأن أساعدهم في تنمية الناحية التعليمية الفقهية الإسلامية في الولاية.
وبحمد من الله عُينت في وظيفة واعظ في ولاية الكامل والوافي في سنة 1996م وحتى سنة 2000م، ثم بعدها حصلت على منحة لدراسة الماجستير في المملكة الأردنية الهاشمية لمدة عامين، وعدت بعدها إلى أرض الوطن حاملاً شهادة الماجستير سنة 2002م، وتابعت وظيفتي في الوعظ ولكن نقلت لرئاسة قسم الوعظ والإرشاد بإدارة الأوقاف والشؤون الدينية في جنوب محافظة الشرقية بولاية صور، وفي سنة 2004م انتقلت من وزارة الأوقاف إلى وزارة التعليم العالي.
لك اهتمام واضح بالمجال التطوعي، حدثنا عن هذا الجانب وعن تأسيس الفريق الخيري.
هذا القطاع بدأ معي في إطار المهمة والوظيفة الأولى وهي وظيفة الوعظ والإرشاد، هذه المهمة لا تعني أنك تعلم الناس الأمور الدينية فقط وإنما تلمس حاجاتهم أيضا وتحل مشكلاتهم المادية والأسرية والنفسية.
وفي 2015م كونت فريق “الكامل والوافي الخيري” الذي يعرف سابقًا باسم صندوق التكافل الاجتماعي، ومن المعروف أن القيام بأي عمل بشكل فردي لا يتم على الوجه الكامل ولا يصل إلى أكبر عدد من الناس، فاستشرت مجموعة من المسؤولين ومن بينهم سماحة الشيخ أحمد الخليلي الذي شجعني على تكوين هذا الصندوق، وتواصلت مع الجهات المعنية بمكتب الوالي بالولاية ووزارة التنمية الاجتماعية وبالتعاون مع بعض الأخوة في الولاية لإنشاء هذا الصندوق، وفي 2018 م أصبحت الجهات الحكومية داخل الولاية تشرف عليه.
أخذت مسارًا جديدًا يتعلق بالأعمال الخيرية على النطاق الخارجي ما هي مساهماتك في هذا الجانب؟
كنت في زيارة لجامع الشيخ حمود الصوافي –أطال الله في عمره– والتقيت بمجموعة من الأخوة، وأشاروا عليّ بأن أذهب إلى أفريقيا للتعرف على حاجات الناس في تلك المنطقة، وطلبت من جمعية الاستقامة العالمية الإسلامية الخيرية أن يكون فيها عضوًا لهذا المضمار، وتم التعاون معهم لأعمل في دولة أوغندا بعد ما كنت في زيارة سابقة إلى زنجبار وتنزانيا.
كوّنت مجموعة جديدة للعمل تختص ببناء المساجد والمدارس وكفالة الأيتام، وتختص بإنشاء التعليم الشرعي وحفر الآبار للمستحقين والبحث عن المسلمين والتعرف على أحوالهم، وإدخال غير المسلمين في الإسلام، وبالتعاون مع بعض الأخوة أسسنا جمعية جديدة أخرى غير جمعة الاستقامة الكبيرة التي نعمل من خلالها.
وتختص هذه الجمعية الجديدة بكيفية تأسيس شركة إسلامية تعنى بتطبيق جديد وكيفية التعامل مع المستجدات في أوغندا، ولله الحمد أنشأنا مركزًا في أوغندا بالإضافة إلى المدارس والمساجد الجديدة ومراكز متخصصة بإدخال غير المسلمين في الإسلام.
بالنسبة للتطوع داخليًا وخارجيًا ما أهم الصعوبات التي واجهتك داخليًا وخارجيًا؟
بالنسبة للصعوبات المحلية، فإن العمل الاجتماعي في عمان من حيث الرسميات يعتبر وليدًا ولابد من الحصول على التراخيص، ونحن عانينا كثيرا في السبع سنوات الماضية بسبب التراخيص، فكنا نعمل بشكل فردي إلى أن جاءت الموافقة بتكوين الفريق داخليا.
ومن الصعوبات الأخرى التي واجهتنا مسألة فهم العمل التطوعي، فالكثير من الشباب لا يفهمون ماهية العمل التطوعي، فلا بد للمتطوع أن يكون ملتزما ولكن ما يظهر حاليًا أنه مرتبط بمقدرة الشخص ووقت فراغه ومتى يمكنه الحضور.
كعضو في لجنة التوفيق والمصالحة في ولايتك حدثنا عن هذا الجانب؟
جانب التوفيق المصالحة عالم آخر، وأنا لم أُدخل نفسي في هذا المجال، لكن للأسف الشديد رُفع اسمي إلى وزارة العدل سابقا واخترت لأكون في هذه اللجنة كون هذه اللجنة شحيحة بالناس الذين لديهم ما يسمى بالدراسة الاسلامية الشرعية، فدخلت تقريبا منذ خمس سنوات والآن السنة السادسة.
هذه اللجنة هي عبارة عن لجنة تصلح بين الناس، تقال فيها وجهة النظر سواء كانت قضايا مالية أو مدنية أو شرعية أو حضانة أو طلاق وغير ذلك من الأشياء المتعلقة بأمور حقوق الناس، فالإنسان الذي ليس لديه خلفية شرعية بالتأكيد لا يعرف الحق من الباطل والحقوق المتعلقة بهذا الموضوع.
ولكن دخلت هذا المجال ووجدت فيه الكثيرين الذين اكتسبت منهم المزيد من الخبرة في التعامل مع الآخرين، فكل شخص لديه تفكيره وأسلوبه وقناعاته ولديه نوع من أنواع العلم أو لديه نوع من أنواع الجهل أو لديه نوع من أنواع المعيشة أو لديه نوع من أنواع النفسيات، لكن طبعا كلجنة يجب أن تكون صبورا وتستمع لآرائهم وتحاول تقريب وجهات النظر، تجلس مع الأول والثاني، تساند هذا في مكان والآخر في مكان آخر وتؤجل المسألة حين تذهب إلى بيوتهم أو في مكان آخر تقنعهم بوجهة النظر التي معك.
والآن أصبحت المحاكم الشرعية الابتدائية توكل العديد من القضايا إلى لجنة المصالحة، فأي شخص لديه مشكلة يصر القاضي على أن تذهب أولا إلى لجنة المصالحة لأنها تحل الكثير من المشكلات وخاصة القضايا الأسرية.
كيف توفق بين التزاماتك العملية المتعددة؟
لولا تيسير الله لي ولأسرتي لما كنت أستطيع أن أوفق خاصةً فيما يتعلق بالالتزامات داخل المنزل، وهناك تقصير لا شك، وتوجد أشياء مستحقة للناس تكون عبء عليك وعلى أسرتك وأحيانًا ضغوطات في العمل، فمثلاً أنا أذكر أنني داومت في كلية العلوم التطبيقية من الساعة السادسة صباحًا وحتى الساعة السادسة مساءً، فهذا العمل مدته 24 ساعة وبالتأكيد أنك تعود لأسرتك متعبا ومرهقا، وأحيانًا قد يستمر العمل معك حتى في المنزل، وفي المقابل حاجات الأهل ومتطلباتهم.
لذلك جميع هذه الأشياء تؤثر على الالتزامات العملية بلا شك لأن هذه هي ضريبة كل عمل يقوم به الإنسان، دائمًا قضية التوفيق تكون صعبة فلابد من وجود صبر وتحمل من جانب الأسرة ورب الأسرة.
ما المبادئ التي تدفعك إلى هذه المسارات التي يغلب عليها الجانب التطوعي؟
بالنسبة للمبادئ التي تدفعني إلى هذه المسارات فأنا أعتبرها مسألة وأمرا إلهيا فهذا ليس تفكير من الشخص نفسه وإنما هناك أمرا روحيا يدفع الإنسان إلى أن يُعطى قدرة وقوة غير طبيعية لمباشرة هذه الأعمال.
والإنسان لو سار على حسب ما هو عليه سيجد أنه لن يستطيع أن يقاوم.
ما توجهاتك المستقبلية عمليًا وما هو طموحك الذي تنظر إليه سواء على الجانب الشخصي أو التطوعي الخيري؟
أولاً الخطة التي أمامي الآن هي أنني أريد الحصول على الدكتوراه وأن أنهيها، ويعد الجانب الشخصي أهم وأقصد بالجانب الشخصي هنا علاقة الإنسان مع ربه، فيقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “تعلموا قبل أن تسودوا ” فالإنسان حينما يسود أمام الناس ويخرج أمام الناس فإنهم يشغلونه بمشكلاتهم فيعيب مشكلات الناس ولا يعيب مشكلاته وينسى نفسه في خضم هذه الأشياء، ولذلك لابد أن يسترجع نفسه مع الله تعالى.
ومن أهم خططي هو إصلاح علاقتي مع الله تعالى لبدء طريق آخر جديد وهو ما يسمى بالضغط على الجانب الروحي أكثر من الضغط على الجانب العملي.
أما في الجانب التطوعي أريد أن أبحث لي عن خلف في هذه المسألة ليكمل المسيرة وأنا أدخل في مجال آخر من المجالات العملية والعودة إلى الكتابة والتأليف من أجل تكوين مكتبة صغيرة لنفسي أستفيد منها ويستفيد منها أبنائي لتكون مرجعا لهم بعد ذلك.