بدر بن سالم العبري
في الصّباح الباكر استيقظنا مبكرا بعد عمل مجهد ليوم سبق، وعمل مجهد آخر ليوم ينتظرنا، وهو آخر أيام وجودنا في صلالة، فتناولنا فطورا بسيطا، حيث أتيت ببعض الشّاي من الخارج، مع الخبز الهندي (براتا)، والأصل صباحا نذهب إلى ولاية مرباط، ولكن تأخر الأخوة إلى ما بعد الظّهر، فأصبحنا كالمعلقة لأنّ من بيده الأمر لا يردّ على الهاتف، ولعلّهم أجهدوا بعد يوم مكثف، ولعادة أهل صلالة كما أسلفت، يسهرون في اللّيل، فهنا صرنا كالمعلقة لأننا لا نستطيع الخروج خشية مجيئهم، ولا نحن نسقنا جدولا آخر لاستثمار الوقت.
عموما كان الصّباح عملا فرديا، وخرجت قليلا للمشي ومعرفة المكان أكثر، حتى أذن الظّهر فصلينا جمعا وانتظرنا، فأتوا بعد الثّانيّة ظهرا، فذهبنا إلى منزل الحبيب علوي الكاف، وكان ينتظرنا ومعه الأستاذ عبد الله العليان، فعاتبنا على التّأخير، فتعذّرنا لهم متلطفين للجميع.
وكعادة أهل ظفار وصلالة إكرامنا باللّحم والتّنوع فيه، وحدث نقاش كبير في الجلسة تضمن العديد من جدليّة القراءات المعاصرة للنّص الدّيني، وحينها كان الحديث كثيرا حول قراءات محمّد شحرور [ت 2019م]، خصوصا فيما يتعلّق بالتّرادف في اللّغة، وبالنّص القرآني، وجدليّة بعض الأحكام المعاصرة، كما تطرق المجلس للحديث حول أبي القاسم حاج حمد [ت 2004م] والمرجعيّة القرآنيّة، وزكي نجيب محمود [ت 1993م]، وأركون [ت 2010م]، ومحمّد عابد الجابريّ [ت 2010م] وطه عبد الرّحمن [معاصر] وغيرهم.
وأستاذنا العليان له اطّلاع واسع على القراءات المعاصرة، وأصدر كتابا سماه: أكاديميون ومفكرون عرفتهم: قراءات ومحاورات وانطّباعات، ضمّ ستة عشر شخصيّة مفكرة وباحثة وكاتبة، لها إسهاماتها في العالم العربيّ والإسلامي.
وبعد الغداء حدث جدل في الجدول، الحبيب فيصل المشهور كان يريدنا لحضور مناسبة دينيّة في مسجد عقيل بصلالة، والحبيب علوي الكاف يريدنا تكرار الزّيارة لأحمد الخطيب، وجدول الصّباح كما أسلفت أن يكون الذّهاب إلى مرباط فتأخر، فاستقر التّشاور الذّهاب إلى مرباط، وإن كنت راغبا للذّهاب إلى مسجد عقيل وحضور هذا الطّقس لأكتب عن قرب، ولكن رأي الجماعة أولى.
ومن محادثتي مع الحبيب سالم المشهور، استحضرنا بعض المناسبات الدّينيّة في ظفار عموما، وصلالة خصوصا، وابتدأنا من مناسبة الهجرة، وعندهم لا يحتفلون بمناسبة الهجرة، وليس لها حضور اجتماعيّ، إلا مع بداية النّهضة الجديدة، حيث جعل من رأس السّنة الهجريّة إجازة رسميّة، مع حضورها في خطب وزارة الأوقاف، وبعض الوعاظ والأئمة المصريين كانوا يعملون بعض المحاضرات، وعدم حضور الاحتفاء بهذه المناسبة اجتماعيّا ليس في ظفار فقط؛ بل حتّى في حضرموت.
قلتُ: وعموما ليس لها حضور حتى في عمان الدّاخل، واقتصرت على الإجازة الرّسميّة وخطب الوزارة، وفي الأخير كانت بعض المحاضرات والاحتفالات كذكرى عابرة، وليس كمناسبة اجتماعيّة أو حتى دينيّة.
الذّكرى الأهم في محرم وهي ذكرى عاشوراء، وتعود في الطّقس الدّيني إلى مناسبتين متناقضتين: الأولى تتضمن الفرح بمناسبة نجاة موسى من فرعون، منها رواية ابن عباس “أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – قدم المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال لهم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه، فقال الرّسول: نحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه”.
والثّانية تتضمن يوم حزن وبكاء، لذكرى مقتل الحسين بن عليّ وأهل بيته في حادثة الطّف في كربلاء بالعراق، من قبل جيش يزيد بن معاوية، يوم الجمعة، عام 61هـ.
فيرى بعض الشّيعة أنّ الأمويين من اخترعوا صيام عاشوراء ليصرفوا النّاس عن هذه الحادثة، في حين لا يمانع من يصوم هذا اليوم أن تجتمع فيه الحادثتان التّأريخيتان، وضعّف حديث فضل صيام يوم عاشوراء أحمد الغامدي من مشائخ المملكة العربيّة السّعوديّة المعاصرين، وفي نظري رواية اليهود لصيام وارتباطه بنجاة موسى فيه خطأ تأريخيّ، فاليهود يصومون يوم الغفران، وهذا حتّى عند السّامريين، ويوم الغفران أتى بعدما جسّدوا (يهوه) عجلا جسدا له خوار، حيث أضلّهم السّامريّ، لمّا كان موسى في الجبل، كما في سفر الخروج الأصحاح 32، وجاء تفصيل هذه الأيام المقدّسة لهم مع ابتداء السّنة العبريّة الجديدة في سفر اللّاويين الإصحاح 16، إلا أنّ الّذي كان بعد نجاة موسى كما في سفر الخروج الإصحاح 12و 13 عيد الفصح، وهو قريب من عيد الأضحى عند المسلمين، ويسمّى عيد القربان، وليس فيه صيام، وأصبح رمزيّا عند المسيحيين، ويوافق عيد القيام؛ لأنّ قيامة المسيح من بين الأموات حسب المعتقد المسيحي في أسبوع الفصح، وعندهم صيام قبله أربعين يوما، وبعده تبدأ أيام القيامة بعد انتهاء أسبوع الآلام أي أسبوع الفصح فيما يبدو حتى عيد العنصرة.
والحاصل أنّ رواية عاشوراء بهذا الخطأ التّأريخي إمّا مكذوبة من أصلها، أو أنّ الرّاوي زاد فيها الخطأ التّاريخي، أو أنّ اليهود كذبوا على النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم -، أو وجود طائفة من اليهود تصوم يوم الفصح، وإن كان لا يوجد في أدبياتهم صيام حسب علمي، وهذا احتمال ضعيف جدّا.
عموما أخبرني الحبيب سالم المشهور وجود عادة قديمة شبه انقرضت، وكانت موجودة على عهد قريب، وهي عادة دحرجة النّارجيل في يوم عاشوراء، وهم عموما كسائر المسلمين عدا الشّيعة يصومون العاشر من محرّم استحبابا وفقا للرّوايات، وقد يصومون يوما قبله.
وفي المجتمع الظّفاري، بل حتى مجتمع حضرموت مع الامتداد الصّوفي، وحضور آل البيت في العقل الصّوفي، إلا أنّ مسألة كربلاء، أو أربعينيّة الحسين في العشرين من صفر ليس لها حضور كما عند الشّيعة الإماميّة، ولعل حضورها وبقاؤها في الحضور الإمامي لأنّها أصبحت هوّيّة مذهبيّة يتميز بها الإماميّة، وطبيعيّ الحفاظ على المذهب بالحفاظ على هوّيّاته الإنتمائيّة، وكثيرا ما تتحوّل الزّيادات إلى طقوس وشعائر لأنّها ترتبط بالهوّية أكثر من ارتباطها بالهوّيّة الأكبر أي الدّين الواحد الّذي ينتمي إليه الجميع.
وكانت فكرة التّشاؤم في شهر صفر حاضرة في المجتمع الظّفاريّ حتى وقت قريب، خصوصا في آخر الشّهر، ويقرأون دعاء لرفع البلاء، وهي عادة جاهليّة قديمة، ومنها رواية: “لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر”، وفي عمان الدّاخل كانوا يتشاءمون ما بين العيدين الفطر والأضحى، وخصوصا شوال، وأصل هذا في نظري تعود إلى حوادث تحدث في زمن ما، ثمّ يبنى عليها من الطّقوس والخرافات.
وأمّا شهر ربيع الأول فمن أكثر الشّهور احتفاء دينيّا واجتماعيّا في ظفار وصلالة، وعموم منطقة حضرموت، لما يتضمّن مولد النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم -، ويحتفى في جميع الشّهر، وبعضهم يلحق ربيع الثّاني في الاحتفاء، ويحتفون في العشر الأواسط من ربيع الثاني بحوليّة للحبيب عليّ بن محمّد بن حسين الحبشي باعلويّ [ت 1333هـ] صاحب سمط الدّرر، ومؤسس رباط الحبش في سيئون بحضرموت، ودرس عنده العديد من أهل ظفار، ويعتبر من أهم الرّموز الصّوفية في حضرموت من اليمن وظفار من عمان، وهذه ذكرى سنويّة تقريبا لأسبوع أو عشرة أيام يحتفل بها في حضرموت وظفار، وكانت السّيدة ميزون [ت 1992م] أم السّلطان قابوس [ت 2020م] تتبرع لهذه المناسبة بالإطعام، ولا زال وقفها لذلك باقيا إلى اليوم، ولهذا يخصّونها بالدّعاء.
والعديد يتبرك بربيع الأول كزواج أو فتح بيت أو أيّ مناسبة سارّة، وفي صلالة عادة يقرأون سمط الدّرر في أخبار مولد خير البشر للحبيب عليّ بن محمّد بن حسين الحبشي باعلويّ، وفي مرباط وطاقة عادة يقرأون مولد الدّيبعي للشّيخ عبد الرحمن الدّيبعي الزّبيديّ اليمنيّ [ت 944هـ]، ويقرأون المولد في المساجد أسبوعيّا ليلة الاثنين والجمعة بعد المغرب، وفي الثّاني عشر من ربيع الأول يكون الاحتفال بشكل أوسع، وبعض العلماء يقرأون المولد في البيوت عصرا يوميّا كما عند السّيد سالم الذّهب [ت 2001م]، وبعده أحيانا موعظة، ويطعمون الطّعام، وبعضهم كعادة المتصوّفة يعتقد حضور روح النّبيّ، وأمّا حضوره جسدا فليس حاضرا لديهم، ولا يضربون الدّف أو الطّبل في الموالد، ولا يستسيغونه في المزاج العام، فقط الإنشاد، مع الحلوى والعطور وبعض الطّعام، وعموما خفّ الاحتفاء به الآن مع وجود التّيار السّلفي عن السّابق في الجبال وبعض الأماكن.
قلتُ: الاحتفاء بالمولد النّبويّ لم يعهد في مجتمع عمان الدّاخل عند الإباضيّة، وظهر متأخرا تأثرا بالشّوافع المتصوّفة خصوصا في شرق أفريقيا، فانتشر لديهم قراءة المولد للعلّامة جعفر بن إسماعيل بن زين العابدين البرزنجيّ الحسينيّ الشّافعيّ العراقيّ [ت 1317هـ] بصوت غنائيّ، والّذي جعل من أبي مسلم البهلانيّ العمانيّ [ت 1339هـ] تأليف كتاب النّشأة المحمديّة كبديل عن البرزنجيّ ، وعند بعض الشّوافع في عمان يقرأون من الفيوضات الرّبانيّة لعبد القادر الجيلانيّ [ت 561هـ]، أو من ديوان ابن الفارض [ت 632هـ] في مدح النّبيّ – صلّى الله عليه وسلّم -، ويصاحب فنّ المالد عادة عن شوافع عمان في مسقط والباطنة وغيرها ضرب الدّف مع حركات منتظمة، وأمّا في المجتمع الشّيعي الإمامي العماني يحتفلون كما أخبرني الأستاذ كمال اللّواتي ليلة السّابع عشر من محرم؛ لأنّهم يرون ولادته في هذا اليوم، ويصاحبه عادة موعظة وتذكير بمقام النبيّ – صلّى الله عليه وآله وسلّم – وآل بيته، ويقرأون المولد من التّراث الشّيعيّ القديم، مع الموشحات من التّراث نفسه أو من المعاصرين، ويسمونها في عمان في مناطق الشّيعة “الجلوات”، ولعلّه من التّجلي، ويصاحب الاحتفال إطعام النّاس، واليوم يحتفلون بإقامة مسرحيات ومعارض للأطفال، وهذا موجود في عموم عمان كالمسابقات والمسرحيات ونحوها، حيث جعل يوم المولد إجازة رسميّة.
وأمّا رجب فيحتفل به في ظفار بقوّة، وبعض كبار السّن يصومون رجب وشعبان ويلحقون به رمضان، وفي ذكرى الإسراء والمعراج يحتفلون بشكل كبير، ويحتفلون بأول ليلة من رجب، وأول جمعة من رجب أيضا، وتكون فيه عادة صلاة الرّغائب في أول جمعة من رجب.
قلتُ: جاء في موقع ويكبيديا بتصرّف بسيط: “ليلة الرّغائب أول ليلة جمعة من شهر رجب، والّتي تنسب إليها الصّلاة المسماة بصلاة الرّغائب، وقد كان ظهورها سنة: 480 هـ، ولم تكن معروفة قبل هذا التّأريخ، وأمّا الصّلاة المخصوصة في ليلة النّصف من شعبان والتي ظهرت سنة: 448 هـ فقد تسمّى صلاة الرّغائب أيضا، إلا أنّ أول ليلة جمعة من شهر رجب هي الّتي اشتهرت بهذا الاسم باشتهار نسبة صلاة الرّغائب إليها، وقد ذكرت في بعض كتب الشّيعة أنّها أول ليلة جمعة من رجب، ويروى فيها حديث يذكر ضمن هذه الكتب في فضيلة صلاة الرّغائب فيها، وأمّا عند أهل السّنة والجماعة فلم يثبت فيها حديث صحيح ولا حسن”.
وفي السّابع والعشرين من رجب يقرأون المعراج، وكانوا سابقا عادة يقرأون معراج ابن عبّاس [ت 68هـ]، واليوم بعض الشّباب يقرأ بعض المؤلفات الّتي لم ترد فيها بعض الأحداث الضّعيفة في المعراج، مع الإنشاد والمديح، وعموما ليس الجميع متفقا على الإسراء والمعراج الحسّي، وبعضهم يرونه مناما لا حسّا، ومنهم من يرى الإسراء حسّيا والمعراج مناما.
ويوجد في رجب أيضا في ظفار قراءة صحيح الإمام البخاريّ [ت 256هـ]، حيث يقرأونه يوميّا، كترتيل القرآن، ويختمونه كاملا، ويقيمون بذلك احتفالا، ويعتقدون أنّه بذلك يجلب الخير، ويرفع البلاء.
قلتُ: قضيّة المعراج بصورتها الحاليّة ظهرت متأخرة فيما يبدو لي في المجتمع الإباضي، لهذا لمّا سؤل العلّامة ناصر بن أبي نبهان جاعد بن خميس الخروصيّ [ت 1262هـ] عمّا ورد عند القوم – أي غير الإباضيّة – كما عند النّسفيّ [ت 710هـ] مال إلى الإنكار، مبينا أنّ معراجه بروحه وجسده “لم يأت صريح التّنزيل بذلك، ولا قامت الحجّة بصحيح السّنّة، ولا يصح الإجماع الّذي لا يجوز خلافه”، وبيّن “لا يلزم اعتقاد كون وقوعه أنّه واقع، ولا أنّه غير واقع، ومن صوّر له عقله أنّه واقع فقال: إنّه صحيح، فجائز له ما لم يدن بذلك، وما لم يخط أحدا قال بخلافه، ومن دان بذلك، أو فسّق من قال بخلافه فلا شك أنّه هالك، آثم، ظالم فاسق، وكذلك من رأى في عقله أنّه غير صحيح فقال إنه يراه في نفسه غير صحيح، فجائز له ما لم يدن بذلك أو يخطئ من قال بخلافه في دينه”، [للمزيد ينظر: تمهيد قواعد الإيمان، ج:1، ص: 295 – 302]، أي جعل المعراج مسألة رأي واسعة حتى في الإثبات.
وتوّسع المتصوّفة في المعراج، والمعراج عندهم الكشف، أي المعراج العقلي، أي تنكشف السّماء الأولى فالثّانية فالثّالثة حتى يروا العرش في السّابعة، وهي كرامة للأولياء، كمعراج البسطاميّ [ت 261هـ]، وعبد الكريم الجيليّ [ت 826هـ]، حيث عرج به إلى السّماء السّابعة فالكرسي، فالعرش، ومعراج إسماعيل بن عبدالله السّوداني [ت 1280هـ] حيث عرج به إلى السّماء سماء سماء، وما جاء من عبارات المعراج عند أبي مسلم البهلانيّ فأقرب إلى المعراج العرفاني الفلسفي، وما روي عن أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة [ت 150هـ] أنّه انفتحت له السّماء الأولى والثّانيّة وهكذا حتى رأى العرش كما ورد في أدبيات الإباضيّة المغاربة فأنكرها الإباضيّة، فهي من جهة تتناقض مع عقيدة الإباضيّة في عدم إثبات ما يفيد التّحيز للذّات الإلهيّة، وعموما قضيّة المعراج برّمتها في نظري تتناقض عند مبدأ الاعتزال والمدارس الّتي ترى التّنزيه، فمعراج النّبيّ محمّد واقترابه من العرش في الذّات الإلهيّة في السّماء السّابعة تقترب من عقيدة الصّفاتيّة من أهل الحديث القائلين بإثبات العرش والكرسي والعلو لله سبحانه وتعالى، ولهذا نجد هذه العقيدة في أدبيات اليهود مثلا معراج أخنوخ أي إدريس وإيليا في الثّقافة المسيحيّة، بل حتى في الأدبيات الدّينيّة الأخرى، وهي ناتجة عن تصّور أسطوري للسّماوات، مع تصوّر وجود الآلهة في الأعلى وما يتعلّق بها من ملائكة ونحوه.
وعموما فكرة الاحتفاء بالإسراء والمعراج لم تكن حاضرة عند الإباضيّة في عمان حتى مجتمعيّا إلا في السّنوات الأخيرة عندما جعل هذا اليوم مناسبة رسميّة من جهة، وبسبب الخطب وبعض المحاضرات المصاحبة، إلا أنّ فكرة صيام شهر رجب حاضرة عند كبار السّن، وغالبهم يصومون السّابع والعشرين منه، وخف اليوم بسبب الرّأي القائل بعدم وجود دليل يصح على تخصيص رجب أو جزء منه بصيام.
وأمّا في المجتمع الشّيعيّ الإماميّ العمانيّ كما أخبرني الأستاذ هادي اللّواتي فعندهم صلاة الرّغائب في ليلة أول جمعة من رجب، يصلّونها جماعة اثنتي عشرة ركعة، ويدعون بعدها، كما عندهم في رجب صلاة جعفر الطّيار [ت 8هـ]، يصلّونها أربع ركعات بعد دعاء كميل بن زياد [ت 68هـ]، ويأتون بعدها بالأدعية والذّكر، ومنهم من يصوم أيضا رجب ورمضان وشعبان حتى يوم الشّك يصومونه، ويصومون السّابع والعشرين منه، ويحتفلون ليلة الثّالث عشر من رجب بمناسبة مولد الإمام عليّ بن أبي طالب [ت 40هـ]، ويوم السّابع والعشرين تجتمع لديهم مناسبتان: مناسبة بعثة النّبي – عليه السّلام -، ومناسبة الإسراء والمعراج، وحضور الإسراء والمعراج في العقل الجمعي أكثر، ويرون إسراء النّبي ومعراجه جسدا وروحا.
وأمّا شهر شعبان ففي ظفار يحيون ليلة النّصف منه، حيث يحيونها بالذّكر والدّعاء، ويقرأون سورة يس في المساجد ثلاث مرات بنيّة بركة طول العمر ورفع البلاء، ويرون كما في بعض الرّوايات تجلي الرّب ويغفر للجميع كما في رواية أبي موسى الأشعريّ [ت 63هـ]: “إنّ الله ليطلّع في ليلة النّصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن”، وأغلب النّاس في ظفار خاصّة من كبار السّن يصومون النّصف من شعبان، ولا يصومون يوم الشّك أي الثّلاثين من شعبان.
قلتُ: وأمّا المجتمع الإباضي العماني فغير حاضر لديه مسألة النّصف من شعبان، وليس هناك حضور طقسي إلا الصّيام، لرواية عائشة [ت 58هـ] أنّه عليه الصّلاة والسّلام يصوم في شعبان حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – أكثر صياما منه في شعبان، ولا يصوم الإباضيّة يوم الشّك.
وأمّا في المجتمع الشّيعيّ الإماميّ العمانيّ كما أخبرني الأستاذ هادي اللّواتي فشهر شعبان عندهم مليء بالمناسبات الدّينيّة، ابتداء من الأقمار الشّعبانيّة، حيث يحتفلون ليلة الثّالث منه بولادة الإمام الحسين بن عليّ [ت 61هـ]، وليلة الرّابع منه بولادة العبّاس بن عليّ [ت 61هـ]، وليلة الخامس منه بولادة الإمام زين العابدين بن عليّ بن الحسين [ت 95هـ]، وليلة النّصف من شعبان بولاية الإمام المهدي محمّد بن الحسن العسكري، وفيها يطعمون الطّعام، ويبتهجون بالصّيام والذّكر وغيره.
وأمّا رمضان فسبق الحديث عنه في الحلقات الماضية، وخصصنا لقاء مع الحبيب علوي الكاف عن رمضان في ظفار، وأمّا شوال كان سابقا في المعايدة عندما يزورون أحدا ينشد أحدهم نشيدا، ثمّ أحد الصّالحين يقرأ الفاتحة مع الدّعاء، كذلك يصومون السّت من شوال متفرقة أو مجتمعة، وعادتهم يصومونه مباشرة بعد رمضان، ويسمّونه صيام التّوديع أي يوّدعون به رمضان، والبعض يجعلون بعد صيام السّت عيدا كعيد الفطر كما عند أهل تريم في حضرموت، وأصبحت هذه العادة في ظفار قليلة جدّا، حيث يفرحون كعيد الفطر، ولكن لا توجد فيه صلاة مخصوصة.
قلتُ: في المجتمع العماني الإباضي لا توجد طقوس معينة في شوال عدا ما يصاحب العيد من احتفالات كالرّزحة مع الطّبل، ويصومون السّت من شوال متفرقة أو مجتمعة، ويستحبونها بعد يوم العيد، ويسمونها صبورا أي من الصّبر، وشاعت صيام السّت من شوال السّنوات الأخيرة أكثر ممّا عهدناه سابقا مثله كصيام عاشوراء.
وأمّا في المجتمع الشّيعيّ الإماميّ فعندهم صيام السّت من شوال ، وكما قرأت في الفقه الجعفري يستحبونه بعد ثالث يوم العيد، وعندهم مناسبة وفاة الإمام جعفر الصّادق [ت 148هـ] يوم الخامس والعشرين من شوال، وهو من أجلّ الأئمة، وإليه ينسب فقه الطّائفة فيسمّى الفقه الجعفري.
وأمّا ذو القعدة فليس فيه مناسبات تذكر، وأمّا ذو الحجّة ففيه مناسبات عديدة كباقي المسلمين من صيام العشر وصيام عرفة والذّكر وأضحية عيد الأضحى، وهو ما عهد في المجتمع العماني في الدّاخل ما يسمّى بالتّيمينة، حيث يرددون التّهليل وتوحيد الله، ويشارك في الأطفال، وهذا شبه انقرض، وعند الإماميّة عيد غدير خم أو عيد الولاية في الثّامن عشر من ذي الحجة، وهو يعتبر عيدا ثالثا بعد عيدي الفطر والأضحى من حيث حجم المناسبة لديهم.
وأمّا المناسبات الأسبوعيّة في ظفار فهناك مناسبة الحضرة بين العشائين ليلة الاثنين في مسجد عقيل في صلالة، والحضرة ذكر يفتتح بسورة يس، ثمّ دعاء، ثمّ مدائح، وتوجد في أماكن أخرى في ظفار، كما يوجد ليلة الجمعة من كلّ أسبوع مولد سمط الدّرر في مسجد عقيل أيضا، وفي مسجد يوسف بن علويّ الوزير السّابق المشهور بمسجد آل البيت يهتم أيضا بهذه المجالس، وفيه مجلس أسبوعي ليلة كلّ جمعة، بجانب المناسبات الدّينيّة الأخرى، وأيضا في مسجد الشّيخ العفيف في طاقة مثلا وغيرها من المساجد.
وتوجد الطّرق في صلالة توجد طريقة آل باعلوي، وهذه مسلكها الهدوء وعدم الانفعال، كما توجد طرق أخرى بصورة أقل كالرّفاعيّة وهذه موجودة سابقا وأحيانا يستخدمون الدّف مع الذّكر، وبدأت تنتشر حاليا النّقشبنديّة والقادريّة.
وعموما قررنا الذّهاب إلى مرباط وزيارة معالمها على عجالة لسبب محاضرة في موقع الجمعيّة العمانيّة في مكتبة دار الكتاب بصلالة، وأيضا موعد رجوعنا كما سنرى في الحلقة القادمة والأخيرة.