جمال النوفلي
هذا المقال أوجهه للشباب المطالبين بتوفير فرص عمل.
عندما تخرج من بيتك جائعا عاجزا خائفا والطريق أمامك مكفهر خانق وفوقك شمس حارقة، وجيبك فارغ وتبتسم وأنت تتصبب عرقا، فلا يمكن لأحد في الوجود أن يعلم ما تعانيه من ضيق ومشاكل ومشقة تثور حمما في صدرك، ولا ألومك إن أعرضت عن الذي جاء ليخبرك أن أمن الدولة أهم من أمنك وأن بطن الدولة أهم من بطن أبنائك وأن راحة الفاسدين في شركاتهم وبيوتهم أهم من راحتك.
لا ألومك يا أخي على ذلك، فلا تصدق الذين يأتونك في سياراتهم الفارهة ليتاجروا بقضاياكم من أجل جمع أصوات مستقبلية أو من أجل الحصول على أصوات ومتابعين على منصات التواصل الاجتماعي، أو من أجل تحقيق بطولات اجتماعية، لا تسمحوا لأحد أن يصعد على أكتافكم ولا تسمحوا لهم أن يجلسوا على رؤوسكم، ولا تسمحوا للهمجيين أن يفسدوا مظاهراتكم فتضيع مطالبكم، ولا تسمحوا للوصوليين أن يدسّوا مطالبات وقضايا ليس مطالبكم ولا هي قضاياكم.
إن تجمعكم سلمي ومطلبكم الوحيد هو الحصول على وظائف وحقوق كباقي إخوتكم العمانيين، وهذا ما يجب أن تعمل عليه الحكومة عاجلا قبل تفاقم الأمور.
وعلى الرغم من التصحيحات السياسية والإدارية التي قامت بها الحكومة -والتي لا ننكرها- وتهدف جميعها إلى حماية الطبقة الضعيفة من الشعب، إلا أن كل تلك الإجراءات لم تكن كافية، فالفقر له أسباب كثيرة والضعفاء العفيفون في كل مكان، وصندوق الأمان الوظيفي الذي يحمي المسرّحين من أعمالهم هو مبادرة جيدة ولكنه لا يحمي العاطلين والمتقاعدين أصحاب المعاشات الضعيفة، وتصحيح قوانين الإسكان لحماية الأسرة وتطوير الأماكن السكنية لم يكن عادلا في نظر الذين انتظروا سنوات.
إننا نعلم أن عمان تمر بأزمة خانقة بسبب كورونا وبسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، ونحن نعلم أيضا أن كثيرا من الناس يفقدون وظائفهم حول العالم، لكن الحكومات في تلك الدول لم تتخل عن شعبها ووقفت إلى جانبهم ولو بمنحهم بعض المساعدات حتى انتهاء الأزمة أو من خلال الإعفاء والتأجيل والمسامحة.
ونحن نعلم أن هناك من يريد أن يستغل هذه التظاهرات من أجل أن يثير البلبلة والمشاكل أو من أجل إجبار عمان على التنازل عن بعض المواقف الدولية المشرفة.
كما نعلم أن الحكومة دعت الشعب بجميع أطيافه قبل سنوات إلى المشاركة في وضع خطة أربعينية، وشارك فيها العديد من الشباب والنساء ومن جميع المحافظات، وكان السلطان هيثم نفسه مشاركا فيها مستمعا ومتحاورا مع الجميع، كما أن الحكومة ماضية في تنفيذ الخطة المنشودة للتحول إلى دولة منتجة وشعب منتج لا يعتمد على الغير، ولكننا مكسورون َوالجوع والخوف واليأس يقلتنا، ونحتاج إلى اليد التي تربت على أكتافنا لتشعرنا بأنها معنا ولن تتخلى عنا.
هذا ما نريده من حكومتنا بأن تحتوي أبناءها وتشعرهم فعليا أنها تتفهم مطالبهم وأنها تعمل على إسراع عملية الإحلال والتعمين، وأنها ستحاسب الفساد والمفسدين وإن كانوا من إخوتنا وأهلنا، وترد ما أخذوه زيادة عن حقهم سواء كانت أراضي أو أموال أو مصالح أو تراخيص أو خير ذلك، وردها إلى خزينة الدولة وإلى المواطنين الذين لم يحصلوا على حقوقهم.
نعلم أن الحكومة لا يمكنها أن تحاسب جميع الناس الذين استفادوا بالمحسوبية لأنهم كثيرون جدا، فمنهم الحي ومنهم من توفاه الله، ولكننا نريدها أن تبدي مبادرة ونية في المحاسبة ولو على ملفات الفساد الكبيرة كي يطمئن الناس إلى وجود عدالة في هذه البلد وإن تأخرت.
*الصورة متداولة في مواقع التواصل الاجتماعي