حمد بن سعيد المجرفي
فى زمن تسود فيه المعاملات، وتتراكم فيه الأهواء في الأقوال ، وتتزين به الألسن لتسطو على منازل الكبار و التقليل من مكانتهم أو الإستهزاء بهم .
فى وقت كان فيه كبار السن بمثابة الملكية الفكرية ، تسمو بهم تلك المنزلة ، فهم شهود التاريخح بات كثير من الأشخاص ينبذهم ، ويضعف مكانتهم بتفوهات تنافي الأخلاق والأعراف ، لا تليق بذي علم ودراية بأن يتفوه بها ، ولا يصغي لجاهل أتى بها أو يجاري معتوها بقولها، فتلك هى حماقة بحد ذاتها ترتكب بحق كبار السن ، وإذا ثبتت فى أي من المجتمعات حق لنا بأن نصفهم بالجهلاء الذي حادوا عن المجتمع ، لكونهم غايرو مفهوم الانسانية وما جاء به الدين الإسلامي ، وما حث عليه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (ليس منا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صغيرنا ويوَقِّرْ كبيرنا ))
فحرص الإسلام على تقديم الكبير فى جميع الأمور بالتحدث والنقاش واستقبال الضيف والبدء بالطعام والجلوس وظهر هذا جليا في سيرة المصطفى ، فعرفوا بالحكمة واتصفوا بالخلق ، فمكانتهم العمرية خير شاهد على براعة منزلتهم ، غير أن الكثير يجهل تلك المبادئ والقيم ، ليمارس غطرسته ويبطش بالقول على شيطنته دون أن يدرك بالقول ودون أي وعي بالمسئولية .
فالإستخفاف بالكبير فى العديد من الأمور والتقليل من شأنه حتى بالنظرة المزدرية وعدم احترامه أو الاستهزاء به أو السخرية منه أو الاساءة لسمعته ومنزلته ورفع الصوت عليه وعدم مراعاة السن والفوارق العمرية هو انحطاط أخلاقي لا ترقى به المجتمعات ولا شرائحها .
فعندما تقاس أحجام العقول واتزان أهلها وتقيم أبناء المجتمع الأوفياء تتعرف عليهم من خلال توقيرهم للكبار واحترامهم للصغار .
ففى يوم ما أتى الضيف ومعه مجموعة من أبناء جلدته ونزلوا فى بيت مضيفهم ، فبعد تداول أطراف الحديث ، واحتساء القهوة ، قام أصغر المضيفين – ولكونه يعرف القوم – متقدما جاره الكبير ليأخذ علوم الضيف (عادة عمانية وهي السؤال عن أخبار الضيف وعلومه ) قائلا : علومكم يا الرفقاء ؟
فرد عليه أحدهم: هناك من هو أكبر منك سنا ليستحق أن نجيبه عن علومنا وأخبارنا؟
فالتفت الصغير بوجهه الى جاره قائلا :
يا جاري هؤلاء ضيوف كرام ، يقدرون قيمة الكبير ، فخذ ما لديهم من العلوم .
تدارك الصغير الموقف بحنكة ودهاء ، ربما غفلة منه أنسته قيمة الكبير ، تنبه حينها وسارع لأن يعطي كل ذي حق حقه .
عفوا أخي، أختي :
فذلك الكبير الذي علينا توقيره واحترام شيبه هو أب أو عم أو خال أو جار أو أحد أبناء جلدتنا ، فالإنحناء له ليس اذلالا بل هو رفعة وتقدير ، فلا تبنى الأمم الا بأخلاقها
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فمن الجهل بأن تقول بأنك كامل بدونهم وأعظم الجهل بأن لا نشعر بالنقص من دونهم .