بقلم: آمنة محفوظ المعولي /مترجمة
إذا ما قرأنا العنوان أعلاه يمكن لنا أن نقع على أربع كلمات مفتاحية وهي: المجتمع، والترجمة، وتأثير، وتغيير.
مما لا شك فيه هو أنه لا يمكن لأي مجتمع أن يعيش لوحده في معزل عن المجتمعات الأخرى، ولا يمكنه أن يكون مكتفيا بذاته، فكما قال ابن خلدون في مقدمته المشهورة بأن: “الانسان مدني بالطبع” أي أنه لا يمكن لأي إنسان في هذا الوجود بأن يعيش منفردا وبعيدا عن الآخرين، وهذه المدنية التي هي صفة لطبيعة الإنسان تفرض عليه الاحتكاك وتوجب عليه التواصل مع غيره.
من هذا المنطلق لا يمكن لأي مجتمع إنساني، مهما بلغ من التطور والحضارة، أن يستغني عن وجود علاقات متبادلة مع مجتمعات أخرى متباينة في كل مجالات الحياة. كما قال الله تعالى في سورة الحجرات: “وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا”.
هذا التعارف الذي حدده النص القرآني للمجتمعات والشعوب لا يمكنه أن يتحقق إلا بواسطة العبور على جسر الترجمة، وهذا العبور لا يمكنه أن يكون عبورا لغويا فحسب بل هو عبور لكل ما تحمله اللغة في كنفها من ثقافة وفكر ومعرفة وسلوك وأنماط حياة وأنماط تفكير. من هنا يظهر لنا جليا بأنه لا يمكن الاستغناء عن الترجمة، فالترجمة هي كيان أساسي، وهي مكون لا يمكن لأي مجتمع يؤمن بضرورة التواصل والاستفادة من خبرات المجتمعات والأمم الأخرى أن يتركها أو يتخلى عنها.
وإذا ما آمنا باستعارة الجسر للترجمة فإن ما يعبر على هذا الجسر لا بد أن يكون له تأثير والتأثير يتبعه التغيير. قد يتبادر إلى ذهن البعض حينما يرى كلمة التأثير بأن التأثير مقرونٌ بالسلبية؛ لكن هذا الأمر ليس بالضرورة صحيحا فالتأثير أيضا يكون إيجابيا، فإذا ما حدث تأثير إيجابي سيتبعه تغيير إيجابي والعكس بالعكس.
فمعرفة الآخر والاطلاع على ما لديه من تجارب سواء كانت هذه التجارب إنسانية أو معرفية أو علمية أو اقتصادية كلها تأثيرات إيجابية يمكن الاستفادة منها لتطوير جوانب النقص لدينا. فتلاقي وتواصل الثقافات أدى إلى تأثر هذه الثقافات ببعضها البعض، وبالتالي كلما زادت قوة تمسك أفراد المجتمع بهويتهم وثقافتهم أمكنهم الحفاظ على سمات لغتهم وخصائصها ولذلك تجدهم يبرزون معاني الجمال في لغتهم وحديثهم.
في ختام المقال ينبغي على كل من تناط إليه مسؤولية الترجمة أن يكون قادرا على الانتقاء الأنسب والأمثل للمحتوى الذي يعبر به على جسر الترجمة وينقله إلى مجتمعه وأن يكون مؤمنا بثقافته ومنتميا إلى جمال لغته وبالتالي يساهم في التأثير والتغيير الإيجابي. علاوة على ذلك فإن المسؤولية ليست مسؤولية مترجم فرد بل هي مسؤولية مؤسساتية ممنهجة ينبغي أن تتبنى فكرا استراتيجيا في مجال الترجمة بحيث يتم انتقاء ما يفي بمتطلبات المجتمع بحيث يتم الاستفادة منه والبناء عليه فالحضارات تقوم على البناء على ما بنى عليه الآخرون. وإذا تأملنا التاريخ فنجد أن النهضة الأوروبية المعاصرة قامت على جهد ترجمي كبير وذلك من خلال ترجمة العلوم المكتوبة بالعربية والبناء عليها، وقبل ذلك كانت الحضارة الإسلامية نفسها والتي ازدهرت خلال العصر العباسي قد قامت علميا على ترجمة علوم الحضارات الإغريقية والرومانية وتطويرها. ونختم بالقول إن الترجمة أداة لا يمكن لأي مجتمع أن يستغني عنها لأنها وسيلة تأثير وتغيير للأفضل، هكذا عرفها التاريخ وهكذا ستبقى.