خاص ـ شؤون عمانية
يعكس السمت العماني روح الثقافة المتجذرة في نفوس أبناء هذا الوطن، فقد عُرفت سلطنة عمان ومنذ القدم بخصائصها الثقافية والاجتماعية المتفردة، وهو ما انعكس على هيئة وسمت أبنائها.
وعلى الرغم من تنوع الثقافات والانفتاح على دول العالم، إل أن العمانيين وخاصة الشباب متمسكون بأصالة ثقافتهم وسمتهم العماني الأصيل.
ويقول الدكتور علي بن سعيد الريامي رئيس قسم التاريخ بجامعة السلطان قابوس: “عندما نتحدث عن أصالة الثقافة العمانية فنحن نتحدث عن موروث حضاري ليس وليد حقبة زمنية قريبة، وإنما نتاج أزمنة موغلة في التاريخ.. ثقافة لها عمقها العربي والإسلامي والإنساني؛ بغض النظر عن عرق أو جنس أو معتقد أو فكر أيديولوجي.. ثقافة مبتدأها الإنسان ومنتهاها الإنسان.. ثقافة منفتحة وليست منغلقة.. ثقافة حافظت على الثوابت والمبادئ والقيم.. ثقافة تنشد المحبة والسلام ولكن دون استسلام، وجمال دون مكياج، ولكي تحافظ هذه الثقافة على كينونتها وسر بقائها لا شك أنها بحاجة إلى رافعة مجتمعية وعوامل تضمن لها الاستدامة في عالم غزته العولمة والفردانية”.
ويضيف الريامي: “لعل من العوامل المهمة وراء تمسك الشباب العماني بأصالة ثقافته وسمته العماني الأصيل هو الحاضنة الأسرية في المقام الأول، وهي تعتبر خط الدفاع الأول إذ تحرص على تربية الأبناء على التمسك بالعادات والتقاليد منذ الصغر، فيكبرون ويكبر السمت الأصيل معهم، وهذا السمت ليس تنظيراً أو تعاليم تتلى عليهم، بل تطبيقاً عملياً يمارس في البيت وفي الحي وفي المسجد والسبلة (المجلس العام)، ويتجلى هذا السمت في أسلوب الحديث الهادئ المتزن مع الوالدين ومع الأقرباء ومع كبار السن وغيرهم، وفي التعامل مع الآخر القريب والغريب، وفي طريقة الجلوس في المجالس العامة والخاصة، وفي آداب الطعام والشراب، وفي الترحيب بالضيوف وإكرامهم، وفي الإتصال والتواصل مع الأقران، وفي المظهر العام السائد في المجتمع، وهذا النوع من السمت فطري ومكتسب عبر مختلف الأزمان والحقب التاريخية”.
ويوضح: “من جانب آخر تعبّر الثقافة العمانية عن الانتماء والهوية، ومع استمرارية الحفاظ عليها أصبحت مصدر فخر واعتزاز لجيل الشباب، ونرى ذلك ماثلاً في المناسبات المختلفة الدينية والوطنية وفي المناسبات الشخصية في الأفراح والأتراح، وبالتالي أصبحت مصدر إلهام واستقرار، يستند عليها الشباب في مواجهة التحديات المعاصرة، وبالإضافة إلى تمثّلاتها السابقة، وحتى تبقى حاضرة ومستدامة في الذاكرة المعاصرة بدأنا نرى توظيفاً مبتكراً لها من ذلك على سبيل المثال لا الحصر استخدام مفرداتها ومصطلحاتها في الكثير من الهويات والعلامات التجارية، ومن العوامل الأخرى التي ساعدت على التمسك بها عامل التنوع والتعددية، فكل بيئة من البيئات العمانية تحرص على إبراز هويتها الخاصة بها، لكن ليس بهدف التمايز والتفرد بقدر ما هو بهدف التأكيد على الثراء المعرفي والميزة النسبية لكل بيئة من البيئات الجغرافية في ربوع عمان”.
وعن الكيفية التي من الممكن أن تعزز استمراري هذه الصورة الإيجابية لأن تكون حاضرة للأجيال القادمة يقول الدكتور الريامي: “إن استمرارية تلك الصورة الإيجابية منوط بتكامل منظومة الإنسان والمجتمع والدولة، بدءاً من الأسرة التي تحرص على تعليم أبناءها تلك الصفات الحميدة المتجسدة في السمت العماني الأصيل، وهو سمت مكتسب يشبون عليه ويتوارثونه، مروراً بمؤسسة المسجد كمؤسسة دينية، تربوية، تعليمية، ثم المدرسة ودورها في ترسيخ مفاهيم القيم الأصيلة، فضلاً عن المجتمع الصغير فهو كذلك يمثل بيئة تربوية من خلال غرس قيم التعاون والتكافل والتضامن، ناهيك عن منظمات المجتمع المدني، كالأندية والفرق الرياضية الأهلية، والجمعيات والتطوعية، ثم أن مؤسسات الدولة الرسمية تحرص على دعم الجهود المجتمعية، وتتكامل معها من خلال تبني الاستراتيجيات والبرامج والفعاليات، وأحياناً قد يتطلب الأمر إصدار تشريعات وتعليمات ملزمة، كما حدث مثلاً في إلزامية ارتداء الزي العماني وتوحيده في مختلف قطاعات العمل بالدولة، كل ذلك كان له دور مباشر وغير مباشر في ترسيخ القيم الثقافية الأصيلة لتبقى جذوتها متّقدة”.
وفي شأن تفسير أناقة الشخصية قولاً وفعلاً يبين الريامي: “بالرغم أن موضوع الأناقة هو مسألة شخصية وحرية فردية، إلا أنه من الملاحظ حرص الشباب العماني ذكوراً وإناثاً على الاهتمام بها، ومن وجهة نظر شخصية يمكن القول إن ذلك الاهتمام يمثل سلوكا مرتبطا بالثقافة المترسخة المستمدة من الدين الإسلامي الذي يحث على التزيّن والظهور بالمظهر الحسن، وكذلك من قيم المجتمع وعاداته وتقاليده المتوارثة، وعادة ما تعطي الأناقة انطباعا أولياً عن المستوى الثقافي المرتبط بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي، والأناقة الشخصية التي نلاحظها ليست أناقة زهو وبذخ بقدر ما هي أناقة جمال دون تكلّف، وهذه الأناقة تبدو من الوهلة الأولى أنها ليست حكراً على طبقة اجتماعية دون أخرى، ولا تمايز فئة على أخرى، فالناس يبدون على سجيتهم متساوون في الغالب في مظهرهم وأناقتهم”.
من جهته يقول الدكتور يوسف الحسني الخبير في الاتكيت والاتصال الدولي: “إن تمسك المواطن العماني بأصالة الثقافة العمانية وبالهوية الوطنية هو امتداد تاريخي وحضاري لم يأت وليد اللحظة، وإنما أمر راسخ في المجتمع، علاوة على ذلك اهتمام القيادة الرشيدة بهذا الأصل الصحيح والذي جعله دستور يهتدي له كل فرد في هذا الوطن المعطاء، والأجمل من هذا أن المجتمع أصبح هو الرقيب القوي الأمين على كل من يخرج أو يحيد عن هذا النهج”.
ويذكر: “استمرار هذا النهج يبدأ من العائلة، فالتربية الصالحة من قبل الوالدين تعزز من مكانة الهوية لدى سلوكيات الأبناء، لذا العائلة هي اللبنة والأساس الأول لترسيخ القيمة، ومن ثم المجتمع بالتناصح وتناقل فكرة التمسك بالهوية الوطنية، ومن ثم تأتي دور المدرسة والإعلام في بناء الصورة الذهنية الصحيحة بأن التطور ليس انغلاقا وإنما هو الانفتاح على العالم بالهوية الصحيحة”.
وفي السياق، يقول الكاتب والمحامي يونس البوسعيدي: *المظهر العام الخارجي ليس الدليل الجوهري على السمت، لكنه التصرف بالخُلق والأدب المشهود به للفرد والمجتمع العماني، ودليله الجليّ هو قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو أن أهل عمان أتيت لما سبّوك وما ضربوك) فهذا الحديث دليلٌ على حسن أخلاق المجتمع، أما اللباس فإشارةٌ أيقونية على ذلك، أما عن تمسك الشباب العماني بجوهر السمت فهو أمر أكيد لكننا نلحظ أحيانا أن بعض الشباب أصبحوا بعيدين عن ذلك السمت، سعيًا خاطئًا وراء كماليات الحياة، نعم كان الشباب العماني كالنخلة النابتة في نجد جبلٍ من جبال عمان فتلمح ملامح الخُلق من أول (مخاشم) ومصافحة بيدين اثنتين وقيامٍ للسلام، الآن إذا دخل بعضهم المجالس تجد عيونهم مرتجفة من (المساءلة عن الأخبار والعلوم) التي كانت من السمت العماني”.
ويؤكد البوسعيدي: “يجب أن تحاسب الجهات المختصة من يشذّ أخلاقيا في وسائل التواصل الاجتماعي، ويجر خلفه عدد من الشباب الذين يتوهمون أن ما يقوم به انفتاحا ثقافيا”
ويختتم بقوله: “السمت العماني يحث على حسن الأخلاق وتتبع سير الكرام، ويجب وضع مناهج دراسية تحض على التنشئة بالأخلاق والسمت العماني الأصيل”.
أما الشاعر نبهان الصلتي فيؤكد: “في تقديري أن أهم أسباب تمسّك الشاب العماني بهويته العمانية بكل مكوّناتها من ثقافة ومظهر وتعامل هو تمسّك الجيل الذي قبله بهذه الهويّة،وبالتّبعيّة هذا الاهتمام يمتدّ عبر الأجيال وينتقل تباعا والمرء على دين أبيه، ناهيك عن الكثير من العادات الاجتماعية التي لا يزال المجتمع يوليها الكثير من الاهتمام والتي بدورها تزيد من تمسك الشاب بها لأنها تمثّل الروتين أو الدارج اليومي او حتى الموسمي مثل الأعياد والمناسبات بكل أنواعها، ولا ننسى أيضا الاهتمام الرسمي الحكومي بإبراز الهوية العمانية والحفاظ على القيم التي تعكس صورة هذه الهوية من خلال سنّ بعض القوانين والاشتراطات، وكما نعلم أن أحيانا القوانين تصبح عادات عندما يعتاد عليها مجتمع معيّن، وتصبح ثقافة عامّة وعرف يتعارف عليه المجتمع وتتجلّى أمام الآخرين وتبرز وكأنها نسق منظّم.
ويشير في السياق ذاته: “أعتقد في ظل الانفتاح وتقارب الثقافات العالمية حاليا مما يسبب اندماج واختلاط في الهويات الثقافية وحتى السلوك العام وتتشابه عادات الناس وقناعاتهم يجب علينا تعزيز الهويّة الوطنية وزرع أسس القيم الأخلاقية التي هي أهم من المظهر نفسه ولكنها بشكل طردي ستؤثر على المظهر، فالتّمسك بالقيم الأخلاقية للمجتمع يجعل الشباب يتمسك برموز هذه القيم والصورة النمطية للرجل العماني ذو الخلق والشهامة والسمت ويتابع: “انتشار وسائل التواصل والبرامج الناقلة للصورة بشكل سريع جدا هو أحد الأسباب التي تفرض على الشاب أن يتّسم بالأناقة والصورة الشخصية التي تعطي عنه انطباعا حسنا لدى الآخرين وإلاّ سيجد نفسه أبعد ما يكون عن أصحابه وأصدقائه، امّا بالنسبة للشخصية في السلوك والتعامل فأعتقد هي تبدأ من البيت أو من القدوة الأولى للشاب وهو والده أو أقاربه ولكن بطبيعة الحال شخصيا لا أجد من الضرورة أن ترتبط الشخصية في المظهر بالسلوك دائما وإن كانت في الغالب، السلوك يرتبط بالثقافة أولا والتربية والعادات وقد نجد هناك شذوذ عن القاعدة”.