خاص- شؤون عمانية
في الوقت الذي تبذل فيه المؤسسات الحكومية والخاصة جهودا كبيرة لمكافحة الابتزاز الإلكتروني وتعزيز الوعي المجتمعي، إلا أن هذه الظاهرة لاتزال مستمرة، حيث يقوم الجاني بابتكار طرق جديدة للتحايل على الضحايا.
ويقول المهندس عبدالرحيم نوري مختص في التقنية الذكية: “إن من أسباب استمرار هذه الظاهرة هو التطور التكنولوجي السريع، فمع ظهور تقنيات جديدة مثل التزييف العميق (Deepfake)، أصبح من الصعب اكتشاف الاحتيال والابتزاز، وهذه التقنية تتيح للمجرمين إنشاء محتوى مزيف يبدو حقيقيًا، مما يضفي صعوبة على الضحايا في إثبات براءتهم، بالاضافة إلى الهندسة الاجتماعية، حيث يعتمد المجرمون على التلاعب النفسي وخداع الأفراد لاستدراجهم للإفصاح عن معلومات حساسة أو دفع أموال، وهذا النوع من الاحتيال يعتمد بشكل كبير على استغلال ضعف الوعي التقني أو الثقة حيث لا يزال العديد من الأفراد غير مدركين للمخاطر المتعلقة باستخدام الإنترنت بطريقة غير آمنة، مما يجعلهم عرضة للوقوع ضحايا للاحتيال والابتزاز.
ويضيف: “مع توسع نطاق التعاملات الرقمية العابرة للحدود، أصبحت الجرائم الإلكترونية مشكلة دولية، حيث ينفذ المجرمون عملياتهم من دول أخرى، مما يزيد من تعقيد الملاحقات القانونية”.
وللحد من الابتزاز والاحتيال الإلكتروني، يشدد نوري على ضرورة وضع استراتيجية واضحة المعالم لمكافحة هذه الجرائم، تشمل هذه الاستراتيجية: تعزيز الوعي الرقمي، وإدخال الأمن الرقمي في المناهج الدراسية لتعليم الطلاب كيفية حماية بياناتهم الشخصية على الإنترنت، والتمييز بين الأنشطة المشبوهة والأنشطة الآمنة، بالإضافة إلى تطوير أدوات الكشف عن الاحتيال حيث يجب أن تتعاون الجهات المعنية لتطوير تقنيات وأدوات متقدمة للكشف عن التزييف العميق وغيره من تقنيات الاحتيال الإلكتروني.
ويؤكد أن القوانين العمانية تضع إطارًا قانونيًا صارمًا لمكافحة الجرائم الإلكترونية، بما في ذلك الابتزاز والاحتيال الإلكتروني، ومع ذلك، يجب العمل على تحديث القوانين بانتظام نظرًا للتطور المستمر في أساليب الجرائم الإلكترونية، إذ إنه من الضروري تحديث القوانين بشكل دوري لتتواكب مع التقنيات الجديدة مثل التزييف العميق، وتشديد العقوبات على مرتكبي جرائم الابتزاز والاحتيال الإلكتروني لتكون رادعًا فعّالًا ضد هذه الجرائم، مع توفير حماية أكبر للضحايا، بحيث يجب أن تتضمن القوانين آليات فعالة لحماية ضحايا الجرائم الإلكترونية وتقديم الدعم النفسي والقانوني لهم.
ويختتم نوري حديثه: نقترح أن تقوم شركات الاتصالات بإطلاق حملة إعلانية شاملة لمدة 6 أشهر تستهدف جميع مستخدمي الهواتف النقالة، وذلك لتحديث بياناتهم الشخصية المرتبطة بأرقام الهواتف، والهدف من هذه الحملة هو التحقق من أن جميع الأرقام مرتبطة بأسماء حقيقية، حيث سيتم إيقاف الأرقام التي لم تُحدث بياناتها، بالإضافة إلى إنشاء موقع خاص للبلاغات بطريقة حديثة، حيث يقوم المستخدم بتصوير الشاشة وكتابة رقم المحتال وإرفاقها مباشرة على الموقع، مما يتيح للجهات المعنية معرفة صاحب الرقم بسرعة ودقة، وإذا كان الرقم مسجلًا لشخص لا يعلم أنه تم استغلاله، فيمكن للجهات المختصة التحقق من ذلك بسهولة واتخاذ الإجراءات المناسبة، كما أن هذا النظام سيسهل التعاون بين المستخدمين وشركات الاتصالات والجهات الأمنية لتسريع عملية التحقيق والحد من حالات الابتزاز والاحتيال الإلكتروني.
من جهته، يقول المحامي الدكتور سعيد المقبالي: تعد جريمة الابتزاز الالكتروني واحدة من أكبر المنغصات في استخدام تكنولوجيا المعلومات، حيث يسعى المجرمون إلى الاستيلاء على أموال المستخدمين من خلال التعدي على خصوصيتهم على وسائل التواصل الاجتماعي وجعلها مادة صالحة لتهديدهم والاستيلاء على أموالهم، وبرغم التحذيرات الكثيرة التي تبث بين الحين والآخر إلا أن المشكلة لاتزال موجودة لعدة أسباب من وجهة نظري، والسبب الرئيسي هو عدم الاهتمام بحملات التوعية من قبل المستخدمين ووضعها في مستوى قليل الأهمية حتى يقع المستخدم ضحية لهذه الجريمة، فيبدأ بعد ذلك في الاهتمام بها وإيجاد الحلول لها وكان الأولى أن يهتم المستخدمون بتلك التحذيرات والحملات التوعوية.
ويؤكد المقبالي: السبب الثاني هو تزليد أجيال المستخدمين، حيث تتغير أعمار المستخدمين وبالتالي تتبدل اهتماماتهم على الانترنت، فتظهر أجيال جديدة من المستخدمين وأعداد أكثر مما يوجد لهذه الجريمة أجيال جديدة لايقاعهم فيها، والسبب الثالث من وجهة نظري هو التطور الهائل الذي تشهده تكنولوجيا المعلومات، والأدوات الجديدة التي تظهر، والتي يستخدمها المجرمون لابتزاز ضحاياهم، أما السبب الرابع هو تغير الأنماط التي يستخدمها المجرمون، حيث تأخذ الأنماط الجديدة نصيبها من المستخدمين حتى يتم اكتشافها والتوعية بها ومواجهتها.
ويبيّن المقبالي: “هناك حاجة ملحة لمواكبة الجريمة الالكترونية، وأرى أن التوعية تحقق نتائج أفضل بكثير من الإجراءات القانونية التي تحتاج إلى وقت وتنسيق على مستوى دولي ولها كلفة مالية أكبر، و قد لا تحقق الغرض المطلوب منها بسبب قدرة المجرمين على التخفي من رجال القانون”.
كما يشير إلى أن المنظومة القانونية في سلطنة عمان مكتملة حتى الآن وهي جيدة جدا ولا تحتاج إلا لبعض التحديثات في القوانين الموجودة حتى تواكب التطور الذي تشهده الجريمة الإلكترونية، وأن المشكلة الحقيقية ليست في سن القوانين بل في إمكانية تطبيقها على الوقائع، وفي جريمة مثل الابتزاز الالكتروني التي قد يكون المجرمون فيها من خارج السلطنة تواجه جهات إنفاذ القانون صعوبة كبيرة في تطبيق القوانين بين البلدان لا سيما تلك التي لا ترتبط مع السلطنة بأي اتفاقيات قانونية.
وفي السياق ذاته، تقول الصحفية ليلى بنت خلفان الرجيبية: إشكالية الابتزاز سوف تتطور ولن تختفي في ظل التطور التكنولوجي، لأن المهارات التي يمتلكها المبتزون تتغير بشكل مستمر وتواكب تطور التكنولوجيا وتسير بنفس مسار تطورها، وعلينا أن نتفق بأن هذه الظاهرة لن تختفي وستكون ملاذا سهلا للعديد من الضحايا نتاج ارتباطنا بوسائل التواصل الاجتماعي، فالكثير منا لا يدرك مخاطر التكنولوجيا الحديثة بالرغم من اطلاعنا المباشر حول تحديثات وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات بمخاطر الابتزاز وما وصل إليه، ولكن نظل ندور بنفس الدائرة.
وتشدد الرجيبية على ضرورة إيجاد خارطة عمل واضحة لتفعيل الأدوار لمجابهة هذه الآفة العصرية بدعم من جميع الأطراف، بداية مع المجتمع المدني لتعزيز فعاليتها، وسن قوانين لردع هذه الجرائم العابرة للحدود.
وتلفت إلى أن القوانين ساهمت في تقليل هذه الظاهرة لكنها ليست كافية بمفردها لذا يجب أن تكون هناك قوانين صارمة تشكل رادعا للأشخاص الذين يفكرون في ارتكاب هذه الجرائم.
ويرى سيف بن سعيد البادي- مختص تقني- أن حالات الابتزاز الإلكتروني لا تزال في تزايد مستمر، على الرغم من الجهود المكثفة وحملات التوعية التي تسعى لنشر الوعي حول خطورة هذه الظاهرة حيث أن هناك عدة عوامل تساهم في هذا التزايد، مثل جهل الأفراد بالقوانين المتعلقة بهذه القضايا الذي يمثل أحد الأسباب الرئيسية، فالكثير من الضحايا لا يعرفون حقوقهم القانونية وآليات الحماية المتاحة لهم، كما أن بعض المبتزين يستغلون عدم الوعي القانوني لتحقيق مكاسب غير مشروعة أو لممارسة السيطرة على الضحية، مما أن بعض المبتزين قد لا يعلمون العقوبات التي قد تؤدي لها إفعالهم، مما يجرأهم على هذه الممارسات السيئة.
ويضيف: أن صعوبة الإبلاغ في بعض الحالات، وتأخر الرد من الجهات المختصة، فضلاً عن التعقيدات التي قد تواجه الضحايا عند محاولة الإبلاغ، تعد من العوامل التي تؤدي إلى تردد الأفراد في في الإبلاغ عن المشكلة، فكثيرون يشعرون بالإحباط بسبب بطء الإجراءات أو عدم وضوحها، مما يزيد من احتمالية تجنبهم التواصل مع السلطات خوفًا من المزيد من التعقيدات.
ويشير البادي إلى أن: المقلق في الأمر تخوف الأفراد من نظرة المجتمع لهم في حال انتشار أخبار تعرضهم للابتزاز، حيث أن هذا التخوف يشكل عائقًا أمام الإبلاغ والتعامل مع المشكلة بشكل فعال بالإضافة إلى الخوف من الفضيحة والوصمة الاجتماعية الذي يعوق قدرة الضحايا على التصرف السريع والمناسب لحماية أنفسهم من استمرار الابتزاز، وبالتالي يؤدي إلى تفاقم المشكلة بدلًا من حلها.
ويبّين: في بعض الحالات يلجأ بعض الأشخاص إلى استشارة ذويهم أو أصدقائهم غير المتخصصين في مثل هذه القضايا، مما يزيد من خطورة الوضع، حيث قد يقدم هؤلاء نصائح قد تفاقم المشكلة بدلًا من حلها. على سبيل المثال، يلجأ البعض لمحاولة ابتزاز الشخص المبتز ذاته أو محاولة اختراق حساباته الإلكترونية بالتعاون مع بعض المخترقين لمسح الملفات المبتزة أو حتى التهديد المتبادل، وهذه التصرفات لا تقتصر على تعقيد الأمور، بل إن لها عواقب قانونية قد تضع الضحايا في مواجهة مشكلات قانونية إضافية، رغم مبرراتهم بأنها كانت بدافع الدفاع عن النفس، إضافة إلى ذلك، فإن الأجيال الشابة، وخاصة تلك التي نشأت مع التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، قد لا تعطي الأهمية الكافية لمسألة الخصوصية، ما يجعلهم عرضة بشكل أكبر للوقوع في فخاخ الابتزاز. ويؤكد: إن عدم الوعي الكافي بإعدادات الخصوصية على التطبيقات المختلفة، وسوء الفهم بشأن كيفية تأمين الحسابات، يسهل على المبتزين الوصول إلى المعلومات الشخصية واستغلالها، ويجب أن تتكاتف الجهود الوطنية لمكافحة هذه الظاهرة، ولا يجب أن تلقى المسؤولية على عاتق جهة واحدة فقط، بل ينبغي أن تعمل جميع الجهات ذات العلاقة جنبًا إلى جنب، بدءًا من وزارة التعليم، التي يجب أن تضع توجيهات واضحة للإدارات التعليمية والمدارس لتعريف الطلاب بمخاطر الابتزاز الإلكتروني وسبل الوقاية منه، ومرورًا بالمؤسسات التعليمية العليا التي يجب أن تدمج موضوعات الأمن السيبراني والخصوصية ضمن مناهجها الأكاديمية، ونتمنى من الجهات المختصة وضع آليات سريعة وسهلة لتلقي بلاغات الابتزاز ومعالجتها بفعالية، كما أقترح توفير خطوط ساخنة تعمل على مدار الساعة وتتيح للأفراد الإبلاغ بسرية تامة ودون تعقيدات، و يجب أن تتاح للأفراد حماية قانونية كاملة في حالة الإبلاغ، لضمان شعورهم بالأمان والتشجيع على التصدي للمبتزين، كما أن وسائل الإعلام والمنصات الإلكترونية تلعب دورا بالغ الأهمية، من خلال نشر التوعية وإعداد برامج تثقيفية تركز على أهمية الخصوصية وطرق الوقاية من الابتزاز وأيضا أحث على إقامة شراكات مع شركات التكنولوجيا وشركات الاتصالات لضمان تعزيز أمن المعلومات وتطوير تقنيات تكشف عن محاولات الابتزاز قبل أن تتحول إلى تهديد فعلي، كما يجب أن تشدد العقوبات على المبتزين والتشهير بهم في حالات معينة، لردعهم عن تكرار مثل هذه الممارسات، حيث أن العقوبات الصارمة والإجراءات السريعة يمكن أن تساهم بشكل كبير في تقليل حالات الابتزاز، وحماية أفراد المجتمع من الوقوع ضحايا لهذه الظاهرة المقلقة.