خاص ـ شؤون عُمانية
تمر الصحف الإلكترونية في سلطنة عُمان بظروف غير اعتيادية، كونها تواجه تحديات كثيرة تتمثل في التمويل وكسب ثقة الجمهور، ناهيك عن كثرة منصات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تعتمد في وصولها إلى الجمهور على إثارة الرأي العام والعزف على وتر الشائعات.
ويقول علي بن صالح العجمي رئيس تحرير صحيفة المسار الإلكترونية: “ثمة العديد من التحديات التي تواجهها الصحافة الإلكترونية، تتعدد بتنوع عناصرها، وإذا حصرنا أنفسنا في تناول تحديات الصحافة الإلكترونية على الصعيد المحلي، فيمكن إجمالها اختصارًا في التحديات المتعلقة بالقائمين عليها، والمتلقين، والبيئة التقنية والتمويل، وفيما يتعلق بالقائمين عليها يتمثل التحدي في افتقار معظم المشتغلين في مجال الصحافة الإلكترونية إلى المهنية والاحترافية حيث إنهم ولجوا إليها من باب الهواية أو كوسيلة لكسب العيش لذا نجد أن نتاجها يشوبه الكثير من الخلل، ويخلو في معظم الأحيان من المضامين الهادفة التي ينبغي أن تكرّس لها الصحافة الإلكترونية حيزًا معتبرًا في فضاءاتها”.
ويضيف: “ثاني هذه التحديات يتجسد في المتلقي والذي هو المَعني بالخطاب الإعلامي الإلكتروني، حيث نجده في أغلب الأحيان لا يضع الصحافة الإلكترونية في مكانها اللائق بها، بل ولا يأخذها على محمل الجد ويطالع ما تورده من أخبار وموضوعات وفي خاطره أنها مجرد انطباعات لمصدري الصحيفة أسوة بغيرها مما تعج به الحسابات الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي! وفي هذا تجنٍ على الصحافة الإلكترونية ووأد لرسالتها على الصعيدين المعلوماتي والتنويري، ومما يؤسف له أن هذه النظرة القاصرة ليست حكرًا على المتلقين من العامة، بل توصم الكثير من الجهات الرسمية حيث لا تزال تعشعش في أذهان مسؤوليها صورة الإعلام التقليدي الذي لا تكتمل أركانه لديهم إلا بصحيفة ورقية، لذا نجدهم يقاومون كل اتجاه لمساواة الصحافة الإلكترونية بنظيرتها التقليدية في الإعلان ويستكثرون عليها حتى الأسبقية الخبرية”.
ويبيّن العجمي: “هذا يقودنا إلى تحدي التمويل الذي يجعلها غير قادرة على أداء رسالتها الإعلامية، في ظل التجاهل الرسمي لهذا التحدي، وللأسف نجد أن ما يحصل عليه (مشهور) واحد على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الجهات العامة والخاصة، يكاد يساوي كل ما ينفق على الصحف الإلكترونية مجتمعة في سلطنة عمان، وفي هذا السياق أيضا يمكن الإشارة إلى تحدي البيئة التقنية، حيث نجد أنها ليست مواتية تمامًا وكثيرًا ما يجد أصحاب الصحف الإلكترونية أنفسهم مطالبين بسداد التزامات مالية فوق طاقاتهم نظير الخدمات التقنية”.
وحول مصادر التمويل وأبرز التحديات يوضح: “تحدي التمويل يعد من أبرز التحديات التي تعيق مسيرة الصحافة الإلكترونية في سلطنة عمان، ويعود ذلك لندرة مصادر التمويل، حيث إن المعلنين لا يزالون يفضلون الصحف ذات الإصدارات الورقية على الصحف الإلكترونية، مما يضع القائمين عليها أمام واقع مرير يعجزون فيه أحيانًا عن سداد رواتب العاملين معهم، وأرى أن المخرج فيما يخص موضوع الإعلان يتمثل في توجيه واضح وصريح لكافة الجهات الحكومية بتخصيص حصة من إعلاناتها للصحف الإلكترونية أسوة بنظيراتها من الصحف الورقية، كما نتطلع إلى أن يكون بند في الدعم الحكومي شأنها في ذلك شأن الصحف الورقية حيث أن رسالتها لا تقل عنها بأية حال من الأحوال.
ويؤكد العجمي: “إن مهنية ومصداقية الصحافة الإلكترونية تعتمد أساسًا على الكوادر القائمة عليها، حيث إنه كلما كانت هذه الكوادر تتسم بالمهنية والاحترافية وعلى قدر عالٍ من التأهيل، فسيكون النتاج باهرًا على صعيد المصداقية والأداء المهني الرفيع، والعكس صحيح تمامًا، وواحد من الأسباب التي تقعد بالصحافة الإلكترونية في سلطنة عمان كما أشرنا آنفًا، هو محدودية الكوادر المؤهلة العاملة في هذا المجال، حيث إنه وفي ظل الموارد المالية الشحيحة للقائمين على الصحف الإلكترونية يضطرون للاستعانة بالمتدربين من خريجي الإعلام وهؤلاء سرعان ما يزهدون في العمل بها لقلة المردود المادي من عملهم، والحل لكل إشكاليات الصحافة الالكترونية من وجهة نظري يقوم على إرساء قاعدة تمويل واضحة تكفل لهذه الصحف الاستمرارية والتطور لإضفاء حيوية على المشهد الإعلامي العُماني، والإسهام في تدريب وتوظيف خريجي كليات الإعلام، وذلك استرشادًا بما حققته الصحافة الإلكترونية في الخارج والتي قطعت أشواطًا مقدرّة على طريق التطور واحتلت الصدارة بعد أن أزاحت الصحافة التقليدية عن عرشها، معتمدة في ذلك على ميزاتٍ عديدة في مقدمتها سرعة الانتشار، واتساع مداه، والمواكبة الآنية للحدث، علاوة على التفاعلية وعمق التأثير”
من جهته، يرى سعيد الخميسي رئيس تحرير صحيفة وهج الخليج الإلكترونية أن الصحافة الإلكترونية فرضت نفسها لتصبح إحدى الوسائل الأساسية للحصول على المعلومات والأخبار، فهي تعد من وسائل الإعلام المتقدمة التي تتيح للجمهور الوصول إلى الأخبار والتقارير والفعاليات بسهولة ويسر عبر شبكة الإنترنت، وتمكنت الصحف الإلكترونية من ابتكار نوع جديد من الصحافة ينقل الأخبار الحدث لحظة بلحظة، إلا أنها تواجه عراقيل عدة منها تواضع أعداد متابعي الصحف الإلكترونية في وطننا العربي بالإضافة إلى غياب آليات التمويل في مختلف صورها سواء تمويل ذاتي أو بصورة إعلانات، كما أن البعض يلجأ إلى استقاء معظم الأخبار والمواد الإعلامية من مصادر غير موثوق بها كـ”المنصات” وهو ما يضعف مصداقية الصحف الإلكترونية، أضف إلى ذلك ضعف مستوى التعاون بين الجهات الحكومية والصحف الإلكترونية.
وحول ماهية مصادر التمويل الصحافة يشير الخميسي: “يعتبر التمويل الذاتي من أهم مصادر تمويل الصحف الإلكترونية وهو عبارة عن استخدام الموارد المالية الخاصة بالمؤسسة الصحفية لتمويل كامل رأس المال، فلا توجد مصادر تمويل خارجية مستمرة تعتمد عليها الصحف الإلكترونية على هيئة إعلانات عقدها يستمر لعدة أشهر فقط، وهي تعتبر مصادر ضعيفة وشحيحة للغاية لا تكفي لاستمرار كيان الصحيفة فتعرضها للانهيار والإغلاق”.
ويذكر: “من ضمن التحديات هو عزوف معظم الشركات والمؤسسات والجهات عن دعم الصحف الإلكترونية بسبب حالة من انعدام الثقة بين المعلن وتلك الصحف أيضا لدى أغلب الشركات والجهات صفحات خاصة على مواقع التواصل تقوم بخدمات الترويج والاعلان لها دون الحاجة للصحف الإلكترونية”.
وفي شأن المهنية والمصداقية يقول: “تعتمد أغلب الصحف الإلكترونية في الساحة العمانية على معايير مهنية في نشر الأخبار والتقارير كصحيفتنا وهج الخليج، فنحن لدينا مصداقية وموضوعية جيدة ومصادر موثوق بها ولا نميل كبعض المنصات الأخرى إلى عدم الدقة والمصداقية والحيادية التي تعتمد إثارة الرأي وزيادة المشاهدات عبر نشر الشائعات والأخبار غير الدقيقة.”.
ويشاركه الرأي يوسف البدواوي رئيس صحيفة العربي الذي يبين: “الصحافة الإلكترونية في سلطنة عمان تعد جزءا مهما من المشهد الإعلامي المتطور في السنوات الأخيرة وهذا أمر ملحوظ في تطور المجال الإعلام الرقمي لذا شهدت السنوات الأخيرة ظهور عدد من الصحف الإلكترونية تقدم محتوى إخباريا مميزا وبطرق غير تقليدية، إلا أن هذه الصحف الإلكترونية تواجه العديد من العقبات التي تحد من تطورها وفعاليتها في تقديم المعلومات بشكل دقيق وموثوق، وتعد هذه العقبات متعددة الأبعاد وتشمل عدة جوانب منها الاجتماعية ومنا مادية”.
ويتابع: “أما بخصوص التحدي الاجتماعي فيتمثل في انعدام الثقة من قبل الجمهور بالصحافة الإلكترونية، ومع زيادة انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة يشعر القارئ بالشك حيال مصادر المعلومات وهذا يؤدي إلى تدهور ثقة الجمهور في الصحافة الإلكترونية مما يجعل من الصعب على المؤسسات الإخبارية بناء علاقات موثوقة مع جمهورها، وقد يكون التنافس الشديد التي تتسابق إليه بعض المنصات الإخبارية في سرعة نقل الأخبار دون النظر إلى دقة المعلومات المنقولة هو سبب رئيسي في انعدام الثقة بين الجمهور والصحف الالكترونية وهذا يحتاج إلى وقفة للحد من انتشار هذه المنصات الإخبارية التي تبحث عن الإثارة في نقل ربع الحقيقة، بهدف زيادة المتابعات وغيرها من الأهداف مما يساعد في هدم الثقة التي تبنيها الصحف الالكترونية مع الجمهور”.
ويؤكد: “أما بما يخص الجانب المادي فأنا اعتبره التحدي الأكبر الذي يقف في طريق استمرارية الصحف الإلكترونية ونجاحها، حيث إن عائد الإعلانات قد يكون معدوما في حين أن هذا العائد قد يكون مصدرا للدخل تستطيع من خلاله التطوير والتوظيف والإبداع في المجال الإعلامي بكل جوانبه، وموضوع الإعلانات والدعايات والترويج في الصحف الإلكترونية هذي ثقافة للأسف باتت معدومة تماما سواء في القطاع العام أو الخاص وهذا العدم أثر سلبا على انتشار الصحف الالكترونية الإخبارية بشكل جيد، وربما في قادم الوقت إن لم تتغير هذه الثقافة ستكون صحفنا الإلكترونية معدودة بالأصابع وهذا للأسف واقع سيخيم علينا في ظل انتشار واسع للصحف الإلكترونية من دول الجوار وغيرها وفي ظل الطفرة الإعلامية الرقمية”.
ويقول: “نحن في عهد نهضتنا المتجددة نريد زخما إعلاميا كبيرا في دعم مسيرة النهضة والرؤية والمشاريع والاستثمارات، وهذا لا يكون إلا بدعم الإعلام بمختلف أنواعه سواء التقليدي أو الإلكتروني، وهذا الأمر يتطلب وقفة حقيقية من قبل المسؤولين في سلطنة عمان سواء كان المسؤول في القطاع العام أو الخاص، والوقفة هنا تتمثل في إعطاء الثقة في هذا الإعلام الرقمي المتمثل في الصحف الإخبارية الإلكترونية التي تنقل الخبر بكل تفاصيله بشكل لحظي وبطريقة غير تقليدية، كما أنها وبدعمها المستدام ستساعد في الدخول في سوق العمل بشكل جيد وذلك في توظيف مخرجات الإعلام وغيره وخلق فرص وظيفية، وإذا تحدثنا عن المهنية والمصداقية في الصحافة الإلكترونية فإننا نتحدث عن مسألة مهمة جدا فهناك من يعمل بشكل احترافي في نقل المعلومة ويتحرى الدقة فيها كما يعمل بخطة تحريرية واضحة وهناك من يعمل وفق ضغوطات اقتصادية قد تؤثر على جودة المحتوى، ناهيك عن من هو مهتم بسرعة النشر دون النظر إلى التدقيق أو إرسال المعلومة بشكل واضح ومهني، وكذلك المصداقية قد تكون مهددة في بعض الصحف وذلك بعد التأثر بالضغوطات المالية مما يجعلها تتنازل عن المصداقية لصالح ضمان التمويل والاستمرارية، لذلك فإن التمويل المستقل والمستدام قد يضمن المهنية والمتمثلة في استقطاب الكفاءات وتوظيف المحررين والعمل على تطوير تلك الصحف الالكترونية في كل الجوانب، كما سيضمن المصداقية بعيدا عن الضغوطات في الخارجية في التمويل”.
ويختتم بقوله: “الصحافة الإلكترونية في سلطنة عمان تحتاج إلى دعم مالي واضح وفق خطط استراتيجية واضحة، وكلي ثقة بأنه ستكون علامة فارقة وعنصرًا أكثر حيوية في المشهد الإعلامي العماني”.
وفي السياق يؤكد سالم الفارسي رئيس تحرير صحيفة الصحوة، أن أهم العراقيل التي تواجه الصحافة الإلكترونية تتمثل في العديد من الجوانب مثل التمويل، موضحا: “قضية التمويل تعد تحديًا كبيرًا، حيث تعتمد الصحافة الإلكترونية غالبًا على الإعلانات لتحقيق الإيرادات، وهو ما يجعلها عرضة للتأثر بالتغيرات في سوق الإعلان الإلكتروني، بالإضافة إلى التنافسية الشديدة مع وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت مصدرًا رئيسيًا للأخبار بالنسبة للجمهور، مما يجعل الصحافة الإلكترونية في تحدٍ دائم لجذب القراء والاحتفاظ بهم”.
ويوضح: “أما مسألة الأمان الرقمي والتهديدات السيبرانية فتشكل تحديًا إضافيًا، حيث تتعرض المواقع الإلكترونية للقرصنة والاختراق، مما يهدد سلامة المعلومات وخصوصية المستخدمين، وأيضا هناك تحديات تتمثل في حماية حقوق الملكية الفكرية، حيث يتعرض المحتوى الرقمي للنسخ والانتهاك بسهولة، حتى في أبسط الأشياء كالعناوين مثلاً”.
وفيما يتعلق بالمهنية والمصداقية فيوضح: “أرى أن التقييم يتفاوت بين المنصات، فهناك منصات تحرص على الالتزام بمعايير مهنية عالية، وتقدم محتوى موثوقًا يعتمد على مصادر دقيقة وموثوقة، لكن في المقابل، هناك أيضًا مواقع أخرى تفتقر إلى تلك المعايير، مما يؤدي إلى انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة، وغياب عنصر المتابعة والمحاسبة، ولذلك فإن المصداقية في الصحافة الإلكترونية باتت مرتبطة إلى حد كبير بقدرة القارئ على التمييز بين المصادر الموثوقة وتلك التي تفتقر إلى المصداقية”.