فاطمة بنت ناصر
أصبح مرض “جدري القرود” يتصدر المواقع الإخبارية، وبات الناس يخشون أن تتكرر جائحة كورونا –لا أعادها الله– وما زاد الناس خوفا من وجهة نظري هو اسم هذا الوباء، فكلمة الجدري مخيفة منفردة، فماذا لو اجتمعت مع كلمة القرود؟!
وبعيداً عن التهويل والتهوين، سوف أسرد هنا بعض المعلومات عن هذا المرض وتاريخه، ربما قد يساعدنا هذا في فهم طبيعته وكيفية التعامل معه.
سبب التسمية
أعادت منظمة الصحة العالمية تسمية مرض جدري القرود في عام ٢٠٢٢ ليصبح mpox لتجنب وصمة العار المرتبطة به، وليكون أكثر دقة كذلك، ففي الحقيقة لا علاقة للقرود به، فالحاضن الرئيسي للفيروس هي القوارض مثل: الفئران والسناجب وغيرها، وقد سمي بجدري القرود لأن العلماء تعرفوا عليه لأول مرة حين أُصيبت به قرود بداخل أحد المختبرات في عام ١٩٥٨.
أما أول حالة بشرية تصاب بهذا المرض فقد كانت في جمهورية الكونغو الديمقراطية عام ١٩٧٠.
متى تفشى جدري القرود لأول مرة؟
تفشى الداء لأول مرة في ٢٠٢٢، حين خرج من البلد المتوطن فيه، حيث سجلت أول حالة خارج أفريقيا في المملكة المتحدة، ومنها انتشر في أكثر من ٧٠ دولة حول العالم، وكان هذا التفشي العالمي الأول له، فقبل هذا التاريخ كان المرض موجودا بشكل كبير ودائم ومستمر بالدول الأفريقية، التي يعتبر المرض متوطنا بها.
وهذا يعني: أن المرض متواجد بشكل مستمر في تلك البيئة وأصبح جزءاً منها، وتعايش معه السكان، وجزء كبير منهم أصبحت لديهم مناعة جزئية ضد المرض، كما أنهم أصبحت لديهم طرق مختلفة لعلاجه.
وتعد نيجيريا وجمهورية الكونجو الديموقراطية أبرز موطنين لهذا المرض.
إحصائيات الوفيات
حين تفشى المرض عام ٢٠٢٢ في أكثر من ٧٠ دولة حول العالم لأول مرة في تاريخيه، أصيب به ٨٧ ألف إنسان، توفي منهم ٣٦ شخصا فقط! ولذلك فإن معدلات الوفاة بهذا المرض تعتبر منخفضة وتتراوح بين ١% إلى ١٠% فقط.
هل يمكن أن يتحول جدري القرود إلى جائحة؟
من غير المرجح أن يتحول هذا المرض إلى جائحة لعدة عوامل أهمها: طريقة انتقاله، طرق علاجه، وفترة الحضانة الخاصة به.
طريقة الانتقال: لا ينتقل هذا المرض بسهولة كالفيروسات التي تنتقل في الهواء كفيروس كورونا، فهو ينتقل بالملامسة المباشرة لجلد المصاب أو الأسطح التي تحتوي على سوائل تحمل الفيروس، أو استخدام أدوات ملوثة كالملابس و الأغطية.
فترة الحضانة: تعبتر فترة حضانة هذا المرض طويلة نسبياً، مما يُمكّن العلماء من تطوير اللقاحات الخاصة به.
أعراض واضحة:
تعتبر أعراض هذا المرض واضحة بسبب البثور التي تنتشر في جسم المصاب، وهذا يساهم في اجتنابه، على عكس الفيروسات التنفسية، التي قد لا تظهر أعراضها بشكل واضح ومميز، فقد تظن أن الشخص الذي أمامك سليم بينما هو مصاب بالمرض، وبذلك يقوم بنقل العدوى لكل من يختلط به.
توفر اللقاحات: لقاحات الجدري التقليدية فعالة لمرض جدري القرود، ويمكن السيطرة على تفشي هذا المرض من خلال توفير لقاح الجدري المعروف، وفي حالة عدم توفر اللقاح، فليس هناك أي خطر كبير مهدد لحياة معظم الناس، فالمرض يظهر على هيئة تشابه أغراض الانفلونزا من حمى وصداع وآلام العضلات وتضخم الغدد اللمفاوية والطفح الجلدي، وتستمر بين ٢ – ٤ أسابيع، ثم تزول، وتستخدم مضادات الفيروسات في الحالات الشديدة فقط.
الخلاصة:
لا تجعلوا مرض جدري القرود يقلقكم، فكما تقول منظمات الصحة العالمية هو ليس بالمرض المميت العضال، ولا تحسنوا الظن كثيرا بوسائل الإعلام وقنوات التواصل الاجتماعي، فهي تسعى لتحقيق أكبر نسبة مشاهدات من خلال التهويل، كما لا تحسنوا الظن فيمن يُهّول من هذا المرض دون ذكر أية حقيقة تتعلق به، فقد يكون تهويل الأمر بشأنه مقصود ومتعمد ليعميك ولو لفترة بسيطة من رؤية ومراقبة الجائحة الحقيقة في غزة و التي قتلت ٤٠ ألف إنسان في أقل من عام واحد!!