شؤون عمانية – حفصة بنت محمد الجهورية
تعرف التأتأة بأنها عبارة عن تكرارات لمقاطع أو توقفات في بداية الجملة وترافقها تشنجات أحيانا على مستوى الوجه، وضغط على كامل الجسم، وتتعدى إلى علامات أخرى مختلفة من حالة إلى أخرى.
ويواجه بعض المتأتئين العديد من الصعوبات في حياتهم وعلاقاتهم المجتمعية بسبب عدم تفهم المجتمع لحالات التأتأة وعدم احتواء المتأتئين، وفي كثير من الأحيان وخاصة في المدارس يتعدى الأمر إلى التنمر، وهو نا قد يتسبب في تفضيل الشخص المتأتئ للانطواء والعزلة.
وأوضحت ثريا بنت عبدالله الفارسية أخصائي أول نطق ولغة، أن التأتأة أو التلعثم هو اضطراب في طلاقة التعبير اللفظي ويتميز بتكرار أو إطالة الأصوات أو المقاطع اللاإرادية أو المسموعة أوالصامتة مضيفة: “تبدأ التأتأة عادة في مرحلة الطفولة المبكرة عندما تتوسع مهارات الكلام واللغة ويحدث التعلم التنموي الآخر، ويحدث هذا عادة بين سن 2 و 5 سنوات، وفي معظم الحالات، ستختلف التأتأة بشكل كبير عبر الأيام والأشهر، وفي معظم الحالات، يتم حل التأتأة من تلقاء نفسها”.
وتشير: “هناك نموذج هرمي مكون من خمسة مستويات للتأتأة، المستوى الأول هو عدم الطلاقة الطبيعية، والمستويات الأربعة التالية هي التأتأة الحدية، التلعثم الأولي، التلعثم المتوسط، والتلعثم المتقدم، وتعكس المراحل التقدمية لتطور الاضطراب.
وعن الأسباب تبين: “لا يوجد سبب واحد للتأتأة، وتتضمن الأسباب المحتملة ما يلي: تاريخ العائلة، واختلاف طريقة عمل الدماغ، كما أن الأولاد أكثر عرضة للاستمرار في التلعثم من الفتيات، والأطفال الذين يبدأون في التأتأة في سن ثلاث سنوات ونصف أو أكثر هم أكثر عرضة للاستمرار في التلعثم، كما أن أنماط التعافي الأسري له دور، والأطفال الذين استمر أفراد أسرهم في التلعثم هم أيضًا أكثر عرضة للاستمرار”.
وقال يعقوب النعماني رئيس “مبادرة اسمعني”، إنه تم تدشين هذه المبادرة مع مجموعة من الزملاء، وذلك بعد حضور عدد من الورش والدورات للتحكم بالتأتأة خارج السلطنة، خاصة أن هذه الفئة من المجتمع لا يوجد أي جهة تتبناهم وتهتم بهم.
وأضاف: “قررنا أن نجمع المتأتئين في مجموعة واتس أب، وأنشأنا حسابات للمتأتئين في جميع مواقع التواصل الاجتماعي، وفي فترة قصيرة تجمع عدد كبير وتوجهنا إلى اللجنة الوطنية للشباب لنكون تحت مظلة رسمية وساعدونا على إنجاح المبادرة، وواجهنا تحديات في طريق نجاح هذه المبادرة، ومن أهمها قلة الدعم المالي، ومن جهة أخرى واجهتنا مشكلة أن الأخصائيين الاجتماعيين في المدارس ليست لديهم الدراية أو الخلفية الصحيحة حول طريقة التعامل مع الطلاب المتأتئين، وتواصلوا معنا وقدمنا ورشا في المدارس استفاد منها الأخصائيين والطلاب”.
وأشار النعماني إلى أنهم ناقشوا المبادرة مع معالي الدكتورة مديحة الشيبانية وزيرة التربية والتعليم، والتي شجعتهم على المضي قدما، كما أنها وجهت بحصر الطلاب المتأتئين لكي تكون هناك قاعدة بيانات عنهم والاهتمام بهم، مضيفا: “قابلنا أيضا معالي الدكتورة وزيرة التنمية الاجتماعية وقد، رحبت بفكرة المبادرة وتجري المناقشة حاليا بيننا حتى يكون هناك دعم من الوزارة”.
وأوضح رئيس المبادرة أنهم تم تأسيس برنامج خاص بعنوان “اسمعني” وتم اعتماده من وزارة التعليم العالي وهو الأول من نوعه في السلطنة، وحتى الآن تم تقديم 17 برنامجا تدريبيا، بمشاركة عدد من خارج عمان.
وتابع قائلا: “وجدنا بعض الحلول البسيطة للعوائق المالية بعد أن حصلنا على بعض الدعم من وزارة الثقافة والشباب، فعند وجود الدعم نقدم البرنامج التدريبي مجانا ونستخدم المال في الأمور التشغيلية للبرنامج والفائض نضعه في صندوق المبادرة والذي يساعدنا على المشاركة في المعارض وإعداد الورش، ونطمح أن يكون هناك داعم دائم للبرنامج أو شريك يمول البرنامج، لأن الكثير من أولياء الأمور يشكل مبلغ البرنامج الرمزي عائقا بالنسبة لهم، ولكن بسبب عدم توفر الداعم نضطر إلى وضع رسوم لتشغيل البرنامج”.
من جهته، يبيّن هلال بن سعيد الذهلي، عضو بالمبادرة، أن هذه الفئة من المجتمع تتعرض أحيانا للتنمر بسبب طريقة كلامها، ولذلك فإن معظمهم يضطرون للسكوت طوال الوقت خجلا من المجتمع، موضحا: “لذلك هذه المبادرة تهتم بالمتأتئين لدعمهم وتوعية المجتمع، وحاليا نحن نملك المنصة الأولى خليجيا وعربيا في الإنستجرام المهتمة بالمتأتئين، ولدينا تواصل على مستوى عالمي مع جهات تهتم بهذه الفئة، وقمنا بتدريب ما يقارب من 130 متأتئ في السلطنة، ونفذنا بالعديد من الورش الحضورية والأونلاين، ونستهدف المدارس والكليات والجامعات لتواجد العديد من المتأتئين فيها لا يعلمون عن المبادرة وأهدافها، كما نقدم استشارات لأولياء الأمور عن كيفية التعامل مع أبنائهم المتأتئين، وحاليا برنامجنا يستهدف الفئة من 14 عاما وأكثر، وقد قمنا العام الماضي بتقديم برنامج اسمعني استهدف الأطفال مع أولياء الأمور، وهناك خطة لعمل برنامج للأطفال مرة أخرى في نهاية شهر أغسطس”.
وذكر الذهلي: “نحرص على استضافة مختصين في البث المباشر على إنستجرام، لكي نساعد أولياء الأمور في تعلم كيفية التعامل مع أطفالهم المتأتئين، وكذلك المتأتئين الكبار يتعلمون كيفية التعامل مع التأتأة، لأن العلاج سلوكي وليس دوائي ويحتاج إلى الاستمرار فهو رحلة طويلة، ونتمنى أن يكون هناك دعم من الجهات الخاصة والعامة لمبادرة اسمعني لنقدم أفضل ما لدينا للمتأتئين في السلطنة وخارجها، ولدينا حضور من خارج السلطنة للبرامج التي نقدمها بسبب السمعة الطيبة للمبادرة في داخل وخارج السلطنة”.
واعتبر المهند بن ناصر العامري أن التأتأة ليست شيئا مخجلا، ولا حجر عثرة في الحياة، ويمكن الإنسان أن يواجه كافة التحديات في حياته لتحقيق النطاح الذي يريده.
وأضاف: “التأتأه هي اضطراب في النطق يسبب صعوبات في انتظام الكلام وطلاقته عند التحدث، ووجدت نفسي بين الحروف أغالب نطقها تارة واحتضنها لترأف بي وتارة تطبطب علي، لم تخرسني أبداً، عقدت هُدْنة معها لتمتثل أمامي بعد اصراري عليها فوجدتها ماثلة أمامي، بدأت مشواري نحو التشافي من التأتأة بخطى حثيثة خطوة تليها خطوة، أتعثر أحياناً فأجد عائلتي تشد أزري وتقوي عزمي، لم أشأ أن أخيب ظنهم وواصلت المسير فزادت ثقتي في نفسي بوجودهم زأصبحت خطواتي يملؤها العزم والفخر أردد دائماً نعم أستطيع، ومع تجارب الحياة التحقت بمبادرة أسمعني والتحقت بالعديد من البرامج التي رفعت من إدراكي للكثير من الأمور التي غفلت عنها فـأصبحت مثالاً يحتذى به، لأولئك الذين يتعثرون فتخفت عزيمتهم”.
أما نمارق بنت عبدالستار يعقوب الهاشم فأوضحت: “بدأت التأتاة لدي عندما كان عمري 10 سنوات، وكانت خفيفة جداً وغير ملحوظة، حتى أن أهلي لم يلاحظوا الأمر، ولكن بدأت ألاحظ الأمر في المدرسة حيث كنت أعاني صعوبة عند الإجابة فكنت أتوتر لأن انتباه الجميع يكون عليَ وانا كنت أركز معهم على الصعوبة التي أعاني منها، وبسبب الخوف والإحراج كانت تزيد المشكلة لدي، فمباشرة أخبرت عائلتي عن المشكلة وأخذوني لأخصائي النطق وأخبرنا بأنه ليس هناك علاج لمشكلة التأتاة ولكن باتباع الاستراتيجيات التي سيعطينا إياها ستخف المشكلة، ولكن تجربتي مع الأخصائي لم تكن جيدة فقد كان يشعرني دائما بأن التأتأة أمر سيء ويجب التخلص منه، لذلك تملكتني مشاعر سلبية كثيرة وسيطر علي التفكير السلبي بسبب أسلوبه، بعد ذلك التحقت بكلية التربية تخصص فنون تشكيلية وكنت أتمنى أن أكون مدرسة، ونجحت في كل الاختبارات ولكن لاحظوا أني أعاني من التأتأة ورفض طلب انضمامي للكلية لهذا السبب، وهنا انتقلت لكلية الإقتصاد وبدأت أفكر بأني لست الوحيدة التي ستعاني بسبب التأتأة وسيرفضون في بعض الأماكن لأن المجتمع ليس لديه الوعي الكافي لدعم أصحاب التأتأة، فالأمر يمكن التغلب عليه إذا وجدت الدعم والمساندة، لأني في المدرسة وجدت الكثير من المدرسات الداعمات وزميلاتي كذلك”.
وأكملت: “صادف برنامجا تدريبيا للتحكم بالتأتاة لمدرب سعودي فشاركت في البرنامج وأيضا خلال البرنامج التقيت بالأستاذ يعقوب النعماني وهلال الذهلي وكانت لدينا نفس الأهداف والطموح أن نقوم بمبادرة تساعد المتأتئين وتجمعهم تحت سقف واحد، ومن المهم أن نؤمن بأنفسنا لأن العائق الوحيد الذي كان يقف في طريقنا هو اعتقادنا بأن لا أحد سيفهمنا، فالاعتراف بالمشكلة والرضا عن وجودها سيسهل الأمر عليك، فتعريفك للشخص الذي تتحدث معه بمشكلتك مع التأتأة ستخلق جو من الراحة والتفهم وسيعطيك الطرف الآخر الوقت والانتباه وهذا هو الامر الذي يحتاجه المتئتئ”.
وتعود ثريا بنت عبدالله الفارسية أخصائي أول نطق ولغة، للحديث عن طرق المتابعة والعلاج قائلة: “ليس من السهل معرفة ما إذا كان طفلك يتلعثم (يتأتأ)، فالتلعثم هو أكثر من مجرد عدم طلاقة في الكلام، لذلك من المهم رؤية أخصائي النطق واللغة (SLP) للاختبار، لمعرفة الأمور التالية: أنواع عدم الطلاقة (النموذجية والشبيهة بالتأتأة)، عدد حالات عدم الطلاقة التي هي من نوع التأتأة. كيف يتفاعل طفلك عندما يتلعثم هل ينزعج؟ وكيف يحاول طفلك “إصلاح” كلامه، هل يبدأ الكلام من جديد أم يتوقف؟ سوف يسألك برنامج SLP عما إذا كان تلعثم طفلك يؤثر على طريقة لعبه مع الآخرين، أو ما إذا كان التلعثم يجعل من الصعب عليه المشاركة في المدرسة، وسوف يستخدم برنامج SLP كل هذه المعلومات لتحديد ما إذا كان طفلك يتلعثم أم لا، وسيقوم SLP أيضًا باختبار كلام طفلك ولغته، يتضمن ذلك كيفية نطق طفلك للأصوات والكلمات، ومدى فهمه لما يقوله الآخرون، ومدى نجاحه في استخدام الكلمات للتحدث عن أفكاره، وهناك طرق مختلفة للمساعدة في حل مشكلة التأتأة، إذ يضم فريق العلاج عادةً أنت وطفلك وأفراد الأسرة الآخرين ومعلم طفلك، ويعتمد العلاج على واحد أو أكثر مما يلي: مدى تلعثم طفلك، كيف يتفاعل طفلك عند التأتأة، كيف تؤثر التأتأة على حياة طفلك اليومية، كيف يتفاعل الآخرون مع طفلك عندما يتلعثم، وأيضا من المهم معرفة أن طريقة العلاج تختلف حسب العمر، فبالنسبة للأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، قد يشمل العلاج استخدام استراتيجيات مباشرة أو غير مباشرة، تساعد الاستراتيجيات المباشرة طفلك على تغيير طريقة حديثه، أما الاستراتيجيات غير المباشرة هي طرق للمساعدة في تسهيل التحدث على طفلك، ويمكن أن تتضمن هذه الاستراتيجيات إبطاء حديثك وطرح أسئلة أقل”.
وأضافت الفارسية: “بالنسبة للأطفال الأكبر سنًا والبالغين، يركز العلاج على التحكم في التأتأة، وسيساعدهم برنامج SLP على الشعور بقدر أقل من التوتر والتحدث بحرية أكبر في المدرسة والعمل وفي البيئات الاجتماعية المختلفة، وسيساعد برنامج SLP أيضًا الشخص على مواجهة مواقف التحدث التي تجعله خائفًا أو قلقًا”.