بدر بن سالم العبري
لا شك أن المجتمع العمانيّ كأيّ مجتمع آخر في العالم، يؤثر في ذاته ومن حوله، ويتأثر منه أيضا، خصوصا مع الانفتاح المعاصر إعلاميّا وسياحيّا ومعرفيّا، ومع هذا تبقى له معالمه الّتي قد يشترك بها مع عوالم أخرى، وعلى رأسها التّعايش الدّينيّ والمذهبيّ، فهذه سمة مدركة في المجتمع العمانيّ، يموت عليها الكبير، ويشيب عليها الصّغير، وأي شيء يحاول إثارة النّعرات المذهبيّة؛ يأنفها المجتمع.
وعلينا في هذه المرحلة الحفاظ على اللّحمة التّعايشيّة وتعميقها، قد تكون هناك إشكالات وأخطاء، لكن لا يعني هذا خلق صراع آخر، بل يجب حاليا قدر الإمكان ترك الخلافات الجانبيّة، وتعميق اللّحمة الوطنيّة، ولا أتصور عمان تحتاج كبير جهد في هذا، فلديها القاعدة التّعايشيّة، ثمّ لديها القاعدة القانونيّة الحافظة لذلك، فقط عليها أن تشتغل على تقبيح كلّ ما يؤدّي إلى الكراهيّة والعنف، وتقبيح الجماعات المتطرفة، وأن لا يربط ذلك بمذهب؛ لأنّ المذاهب الإسلاميّة جامعة لا تقر بذلك، فينشأ الابن في داخله مستقبحا لهذه الأمور، ترفضها فطرته السّويّة.
وهذا الأمر يحتاج إلى مراجعة الخطابات في المجتمع، على مستوى التّعليم والمساجد والإعلام، وعلى مستوى الجانب التّقنيّ الأوسع، ثمّ علينا أيضا مراجعة وضع الباحثين عن عمل، وتوفير الجانب التّأميني لهم، فكثيرا ما تستغل الجماعات المتطرّفة هذا الملف.
وأتصوّر أننا اليوم نتيجة الانفتاح بحاجة إلى مؤسّسة بحثيّة تعنى بذلك، ولها قدرة في الحصول على البيانات الكافية من الجهات المعنيّة من الأمنية وغيرها، لتفكيك الموضوع ودراسته بعمق، خصوصا من المختصين في علم الاجتماع وغيره.
إن أي مجتمع اليوم هو مفتوح على غيره، والفكر عابر للحدود بطبيعته، وقد يكون بعضه مؤثرا سلبا على المجتمع، واليوم لا ينبغي الدّراسة الجمعيّة في الفكر، بل ينبغي الدّراسة الفرديّة في ذلك، صحيح أنّ الفرد ينشأ في بيئة جمعيّة قبليّة وثقافيّة ما، لكن لا يعني أنّه كفرد محصن بذلك، بل على العكس؛ لأنّ تواصله الخارجي والافتراضي اليوم أكبر من تواصله الواقعيّ الجمعيّ، وهذا يحتاج إلى الدّراسة الفرديّة والّتي تشكل بُعدا جمعيّا ولو افتراضيّا، وعدم الاكتفاء بالصّورة الجمعيّة للمجتمع، وبهذا يمكن دراسة الفكر إيجابا أم سلبا بعمق، وأكثر عقلانيّة.
وعلينا أن نتخلّص من خمرة العيش في الجوانب الإيجابيّة المطلقة، ومن فكرة العزلة عن الخارج، فهذا لا يمكن بحال، ونحن بشر كغيرنا تماما، فينا المحسن وفينا المسيء، وفينا المجتهد ومنا المقصّر، لكن علينا أن نحافظ على الجوانب الإيجابيّة، وأن نخلق جوانب إيجابيّة أيضا، وبهذا، أيّ فعل نشاز نتعامل معه بعقلانيّة، ولا يؤثر في وحدتنا التّعايشيّة، صحيح أنّ المجتمعات ملتهبة من حولنا، والجماعات الإرهابيّة لها نشاطها، وهناك من يسعى لنشر الفوضى والحروب ودمار المجتمعات الأخرى، ونحن نعيش في وسط هذا العالم الملتهب، لهذا اليوم نحن بحاجة أن نحافظ على الوحدة التّعايشيّة، كما نحن بحاجة إلى معالجة الذّات، حتّى لا تستغل خارجيّا، وفي الوقت نفسه أن نتعاون في استقرار المناطق من حولنا، وأن نسعى جميعا في تحقيق الإحياء لا الدّمار؛ لأنّ أي فساد أو دمار قريب منّا، يؤثر فينا سلبا بالضّرورة، والعكس صحيح تماما.
أمّا دور الأسرة والمسجد والمجلس (السّبلة) هي وسائل داعمة، وبحاجة إلى خلق جانب ثقافيّ فيها، ولا تقتصر عند الجوانب التّقليديّة، واليوم وزارة الثّقافة والرّياضة والشّباب فتحت الباب لعشرات المبادرات الشّبابيّة، ثقافيّا ورياضيّا وإبداعيّا في كافة محافظات عمان، فينبغي تشجيع وتمويل هذه المبادرات، ولا تقتصر عند المقاهي، بل ينبغي كما ذكرت في السّؤال أن تكون حاضرة في المجالس والمساجد، مع تفعيل المسرح والملاعب الرّياضيّة وغيرها، ويربط ذلك تقنيّا من خلال استغلال جميع وسائل التّواصل، في الحضور، وخلق التّفاعل الإيجابيّ فيه، لتوصيل رسائل إيجابية إلى الجيل الجديد، وأن يتجاوز المجتمع بعض الحساسيّات الاجتماعيّة، والعادات الّتي تحول الشّباب عن هذه الأماكن واستغلالها.
علينا أن ندرك أنّ الصّراع الطّائفيّ يشكل خطورة كبيرة جدّا، وهذه الصّراعات تجعل النّاس يعيشون في صراعات ماورائيّة وماضويّة ووهميّة لا قيمة لها أمام الاشتغال بالإحياء والعقل والعلم والنّهضة، وبما أنّ النّاس استقروا على ما هم عليه من مذاهب، ولهم خصوصيّاتهم؛ فيتركون على ما هم عليه، ويشتغلون على الشّيء الجامع، وهو الأوسع.
*من مشاركتي في تقرير جريدة عمان حول التّعايش والأمن الفكري*