خاص – شؤون عمانية
في خطوة مفاجئة، أعلنت وزارة العمل بالتعاون مع صندوق الحماية الاجتماعية عن تمديد مدة صرف بدل الأمان الوظيفي لمدة سنة كاملة لجميع المستفيدين الذين أكملوا 6 أشهر من الاستحقاق مع تخفيض البدل تدريجيا.
وتضمن القرار تخفيض۳۰% من إجمالي البدل خلال الأشهر الأربعة الأولى، وتخفيض٥٠% من إجمالي البدل خلال الأشهر الأربعة الثانية،وتخفيض ۷۰% من إجمالي البدل خلال الأشهر الأربعة الثالثة. وفي جميع الأحوال لن يقل مقدار البدل عن ١١٥ ريالاً عمانياً وهو الحد الأدنى المحدد بالمادة (۱۱۹) من قانون الحماية الاجتماعية، كما يُشترط لاستمرار استحقاق المؤمن عليه لبدل الأمان الوظيفي بعد التمديد الالتزام بالضوابط المحددة من وزارة العمل بشأن الجدية في البحث عن عمل بما في ذلك قبول أي فرصة وظيفية معروضة متى ما كانت ملائمة وفقاً للمعايير المعمول بها لدى الوزارة.
ولقد قوبل هذا الإعلان بحالة من القلق التي انتشرت بين المستفيدين والخبراء الاجتماعيين، الذين أشاروا إلى أن التخفيضات التدريجية ستزيد من الأعباء المالية على الأسر المتضررة، إذ يرى العديد منهم أن هذا القرار سيؤدي إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية للأسر بدلاً من مساعدتها في تخطي هذه الفترة الصعبة، واصفينه بأنه “الموت البطيء”.
قصص من الواقع
قال سعيد الغيثي، وهو مسرح عن العمل منذ جائحة كورونا، إنه كان يتقاضى راتباً شهرياً قبل التسريح قرابة ألف ريال عماني، ومع استحقاقه لمنفعة الأمان الوظيفي تم صرف 460 ريال عماني له، موضحا: “منذ لحظة التسريح وأنا في سباق مع الزمن للبحث عن فرصة عمل جديدة، لكن في كل مرة أُقابل بالرفض، حتى أن بعض الوظائف التي تقدمت لها كانت برواتب أقل من المبلغ الذي أستلمه الآن من المنفعة، وهذا القرار مجحف بحق المسرحين؛ الكثير منا لديه التزامات مالية وأسرية فمنا من لم يستطع الزواج حتى الآن ومنا من لديه التزامات بنكية وآخرون لديهم أسر يعيلونها، وأنا مستعد للعمل في أي وظيفة، ولكن أين هي هذه الوظائف التي تقبل بتوظيفنا؟”.
من جهته، ذكر علي الربيعي، وهو مسرح عن العمل: “إن مطالبنا هي تمديد منفعة الأمان الوظيفي دون التخفيض التدريجي أو التوظيف المباشر، أو تعديل بند الحد الأدنى للأجور في القطاع”، مشددا على أهمية النظر في قضية المسرحين عن العمل وتحسين أوضاعهم، خاصةً لغير القادرين على المنافسة على الوظائف المطروحة بسبب الشروط الموضوعة كالمؤهلات وشرط العمر.
ويرى الخبراء الاجتماعيون أن هذا القرار رغم تمديده، يحمل في طياته تبعات سلبية كبيرة على الأسر المستفيدة، معربين عن قلقهم من أن التخفيضات التدريجية ستزيد من الضغوط المالية على المسرحين عن العمل، مما قد يؤدي إلى تفاقم مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية بدلاً من تقديم الدعم اللازم لهم في هذه الفترة الحرجة.
وأكدوا أن القلق المستمر بشأن تلبية الاحتياجات المالية قد يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية وزيادة التوترات داخل الأسرة، مما يؤثر سلباً على جودة الحياة بشكل عام،داعين إلى ضرورة إيجاد آليات اقتصادية ناجعة لمعالجة هذه المشكلة، وذلك من خلال طرح فرص العمل البديلة والفورية المتوافرة أو من خلال تعزيز التزامات مؤسسات العمل بالاستفادة من الموارد البشرية حتى بعد انتهاء المشروع.
وأشار الباحث الاجتماعي مبارك الحمداني، إلى أن منظومات الأمان الوظيفي عمومًا تنشأ نتيجة حاجة ملحة لتأمين الظروف الاقتصادية اللائقة لأولئك الأشخاص الذين تركوا وظائفهم دون إرادة منهم، مبينا أن المرسوم السلطاني حدد الاعتبارات اللازمة للاستحقاق وأهمها ألا يكون ترك العمل بمحض الإرادة، وألا يكون ترك العمل لأسباب تأديبية، وأن يكون الشخص الذي تتوجه إليها منافع الأمان الوظيفي قادرًا على العمل وجادا في البحث عنه.
وتابع قائلا: “وفي ظل استمرار حالات التسريح من العمل نتيجة إما لطبيعة عقود العمل المبرمة أو الأوضاع الاقتصادية لأرباب العمل أو حالة المشاريع المنفذة فإن استمرار وتقوية منظومة الأمان الوظيفي هو أمر يجب القيام به ةإن ما صدر مؤخرًا بتخفيض بدل الأمان الوظيفي كان يجب أن يراعي طبيعة الظروف الاجتماعية والاقتصادية لحالات الأفراد الذين تشملهم المنفعة، ونحن ننادي بوجود دراسات موسعة حول الحالة الاجتماعية للأفراد والأسر الذين تشملهم هذه المنفعة، ويجب النظر إلى طبيعة الأسر التي يعيلونها ومدى الالتزامات المترتبة عليها وتأثير حالة فقدان العمل على أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، وبلا شك سنجد أن هناك تباينًا في هذه الأوضاع والحالات، ولكي لا تترتب مشكلات أخرى على هذه المشكلة فإن الإبقاء على المنفعة في سياق يلبي الحد الأدنى من المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية للأفراد نعتقد أنه هو الخيار المناسب إلى حين إيجاد آليات اقتصادية ناجعة لمعالجة هذه المشكلة، إما من خلال فرص العمل البديلة والفورية المتوافرة أو من خلال تعزيز التزامات مؤسسات العمل بالاستفادة القصوى من المورد البشري حتى بعد الانتهاء من بعض المشاريع أو من خلال التعزيز المباشر لصندوق الأمان الوظيفي وموارده”.
ومن جهتها، قالت أسماء البلوشية عضوة لجنة دعم الأعضاء بجمعية الاجتماعيين العمانية: “شمس النهار لا تغطى بغربال، وهذا حال وضع المسرحين والباحثين عن العمل، حيث إن هذه الظاهرة بها العديد من الآثار السلبية، فقد لمست الكثير من الجوانب الحياتية على المسرح من العمل خاصة وعلى الباحث عن عمل عامة منها الجانب النفسي والصحي والاجتماعي، ومع ذلك اتخذت الحكومة الرشيدة عدة قرارات لتدارك تأثير هذه الظاهرة وحفاظاً على لحمة لبنة المجتمع ألا وهي الأسرة، من حيث توفير بند منفعة الأمان الوظيفي لتلبي جزء من احتياجاتهم لفترة زمنية محددة مع عرض فرص وظيفية جديدة عليه، ولكن بعد صدور قرار تمديد منفعة الأمان الوظيفي لمدة 12 شهرا مع تخفيض البدل فإن ذلك سيتسبب في العديد من التأثيرات الاجتماعية على المسرحين عن العمل، ومما شك فيه عند تخفيض بدل منفعة الأمان الوظيفي سيخلف العديد من الأعباء على المسرح من العمل سواء من الجانب المالي كالتزامات بنكية لتسديد القروض الشخصية أو السكنية، أو توفير المواد التي تحتاجها الأسرة من المأكل والملبس وغيره.
وأشارت إلى أن هذا التأثير سيطال المجتمع حيث يتوقع أن يكون هناك عزوف عن الزواج من قبل الشباب الذين هم في مقتبل العمل، إلى جانب تناقص قلة المواليد وكثرة الطلاق وظهور ظاهرة التسول، وهناك العديد من الجوانب السلبية التي أثرت على المسرحين والباحثين عن عمل ومنها النفسية والصحية.
وطرحت البلوشية عدة مقترحات، ومنها مخاطبة البنك المركزي العماني لجميع البنوك في السلطنة لوقف تحصيل الأقساط من المسرحين لحين حصولهم على وظائف، وكذلك دعم القطاع الخاص من قبل الحكومة في مقدار الراتب المقدم للمسرح، وإعطاء المسرحين رواتب بذات المستوى المعيشي الذي كان لهم قبل التسريح، من أجل عودة تحصيل البنوك للالتزامات المالية منهم وعدم إخلال المستوى المعيشي للأسرة.
وبدوره قال الباحث في الشأن الاقتصادي يوسف الهوتي، إن من بين الأسباب التي أدت إلى هذا القرار –حسب تحليله- أن عدد المسرحين في تزايد مستمر، وبالتالي فإن الموازنات المرصودة نتيجة مساهمة العاملين 1٪ قد لا تتناسب مع القدرة على تأمين النسب الحالية، لتخفيف الضغط على وزارة العمل وتقليل المخاطر على الموازنة المخصصة للأمان الاجتماعي لذا تم إصدار هذا القرار، وعليه فإن التأثير المتوقع لهذا القرار ينقسم إلى عدة أقسام وهي عدم قدرة الحكومة على تلبية متطلبات الأمان الوظيفي، وكذلك عدم وجود وظائف تتناسب مع توقعات المسرحين في وظائف ذاتها قبل التسريح، وكذلك زيادة الضغط على وزارة العمل من أجل إيجاد وظائف مناسبة تغطي متطلبات المعيشية للمسرحين.