شؤون عُمانية- عبير الرجيبية
يؤكد عدد من الأطباء والمواطنين أن الفحص الطبي قبل الزواج أمر ضروري لأنه يسهم في إيجاد أسرة سليمة وخالية من الأمراض، كما أنه يسهم في تخفيف العبء على الدولة في علاج الأمراض الوراثية مستقبلا، لافتين إلى أن المجتمع يحتاج إلى حملات توعوية مكثفة للتعريف بأهمية هذه الفحوصات.
ويعرف الفحص الطبي قبل الزواج بأنه مجموعة من الإجراءات الطبية كالتحاليل والفحوصات التي يقوم بها الشريكين قبل الارتباط، وذلك لمعرفة مدى التوافق الجسدي والنفسي لكلا الشريكين، كما يؤكد خلوهم من أي أمراض معدية أو أمراض وراثية قد تنتقل إلى الأبناء في المستقبل.
الوعي المجتمعي
يرى حمد الرجيبي أن الفحص الطبي قبل الزواج أمر ضروري لأنه يحدد مصير الأبناء، كما أن مثل هذه الإجراءات يجب أن تكون إلزامية لجميع المقبلين على الزواج لأهميتها في تحديد التوافق المطلوب بين الزوجين، فهو يكشف مدى توافق الشريكين وصحة أبنائهما في المستقبل.
ويضيف: “لكن ما يحدث في مجتمعاتنا العربية وخصوصا في الفترة السابقة هو تهاون الكثير منهم في إجراء الفحص الطبي قبل الزواج، نتج عنه تناقل أمراض وراثية من جيل إلى آخر، وقد يعتقد البعض إلى يومنا هذا أن هذه الإجراءات ما هي إلا حاجز يعرقل مشروع الزواج، مهمشين عواقب هذا التهاون وما يحمله من معاناة ومآسي يعيشها الأبناء طوال حياتهم”.

وتؤكد غادة اليعربية أن الفحص الطبي قبل الزواج أحد أهم الخطوات التي يجب فعلها قبل الإقدام على الزواج، حيث أنه معيار أساسي لاكتمال صحة الزواج، كما تفتقر مجتمعاتنا العربية إلى ثقافة الفحص الطبي قبل الزواج، وبالأخص للأجيال السابقة نظرا لتقيدهم بالعادات والتقاليد والأعراف التي تفضل الزواج من حلقة الأقارب، ما نتج عنه من عواقب سلبية تأثر على أبناء الجيل الحالي، ولكن مع مرور الوقت وزيادة الوعي المجتمعي فقد أصبح الفحص الطبي قبل الزواج شرطا أساسيا، إضافة إلى توجه المؤسسات الصحية ودورها البارز في نشر وتعريف المجتمع بأهمية الفحص الطبي قبل الزواج.
ويوضح عبد العزيز الشقصي: “افتقرت الأجيال الماضية إلى الوعي في الجانب الصحي وخصوصا فيما يتعلق بالزواج، لذلك ظهرت لدينا في الوقت الحالي مشكلات تتعلق بصحة الأفراد منها إصابتهم بأمراض وراثية ناجمة عن إصابة أحد الوالدين بالمرض مما أدى إلى انتقاله للأبناء، ويعود السبب الرئيسي لتوارث هذه الأمراض هو الجهل بأهمية الفحص الطبي قبل الزواج أو تهاون الأطراف في عمله باعتباره عائقا يعرقل مشروع الزواج، لكن ما قد نراه في الوقت الحالي هو زيادة الوعي والثقافة الصحية لدى الشباب وإلمامهم بأهمية الفحص الطبي قبل الزواج وضرورة إجرائه، ولا يقتصر هذا الإجراء بالمقبلين على الزواج بل ويشمل جميع الأفراد ممن جاوز الـ 18 عاماً”.

إلزامية الفحص الطبي
ويقول المحامي هلال المسكري: “تمت إتاحة الفحص الطبي قبل الزواج في سلطنة عمان منذ عام 1999م، وهي خدمة اختيارية توفرها المؤسسات والمراكز الصحية للجميع دون استثناء، في ذات السياق تكمن المشكلة في عدم تقبل بعض الأفراد بإجراء هذه الفحوصات بصرف النظر عما إذا كانوا مقبلين على الزواج أم لا، ومن الناحية القانونية نرى بأن يتم إصدار قانون رسمي يلزم الأفراد بتأدية هذه الفحوصات نظرا لتهاون الكثيرين وعدم الأخذ بعين الاعتبار لعواقب هذا التهاون، فعلى سبيل المثال توجد في الوقت الحالي الكثير من العائلات التي تعاني من أمراض وراثية مختلفة، وذلك نتيجة لتخلف فردين وعدم إجراء هذا الفحص، ولمثل هذه الحالات نرى بأن يتم فرض عقوبات جزائية حتى تكون رادعا للأفراد المتهاونين بمثل هذه الإجراءات”.

الأثر الطبي
وتبين الدكتورة رقية الرجيبية، طبيبة بالمجمع الصحي بالرستاق، أن الفحص الطبي قبل الزواج يساهم في الكشف عن أمراض الدم الوراثية “أمراض الدم الوراثية” ذلك لمعرفة مدى تلائم الشريكين المقبلين على الزواج، حيث تتعدد حالات المقبلين على هذه الفحوصات، فعلى سبيل المثال عندما يكشف المقبل على إجراء هذا الفحص عن وجود مرض وراثي غير أمراض الدم الوراثية في العائلة مثل” CYSTIC FIBROSIS \ EPIDERMOLYSIS BULLOSA \ OSTEOGENESIS ” أو غيرها فبالتالي يمكن تجنب حدوثها مستقبلا من خلال هذه الفحوصات.
وتتابع: “يسهم الفحص الطبي قبل الزواج في معرفة الأمراض الوراثية والتي تكون صفتها “متنحية” بمعنى أن يولد طفل مصاب بمرض وراثي في حالة حصوله على نسختين من الجين المصاب من كلا الطرفين الأم والأب، أما في حالة وجود نسخة واحدة من الجين المصاب فيصنف الطفل على أنه سليم ولا تظهر عليه أي أعراض مرضية من المرض الوراثي، وبعدما يجري كلا الطرفين هذه الفحوصات وبناءً على النتائج يتم إعطاء المشورة لاتخاذ قرار صحيح لبناء أسرة صحية في المستقبل، فإذا كانت النتيجة أن أحد الطرفين حامل للمرض فينصح بالزواج من طرف سليم تماما، وكذلك إذا كان أحد الطرفين مصابا بالمرض يوجه بالزواج من طرف سليم، حفاظا على صحة الأبناء في المستقبل، ولذلك حرصت وزارة الصحة وجميع المؤسسات التابعة لها بتكثيف حملات التوعية والإرشاد من خلال المحاضرات التي تلعب دور كبير في تثقيف الشباب بأهمية هذه الإجراءات ودورها في إنشاء جيل سليم من الأمراض الوراثية”.

وتشير الدكتورة فاطمة اليعربية، طبيبة في مستشفى الرستاق، إلى أن وزارة الصحة في سلطنة عمان والمؤسسات الصحية التابعة لها تسعى إلى الوصول إلى مجتمعات خالية من أمراض وراثية وخلق أجيال صحيحة جسديا من خلال ترسيخ الوعي بأهمية إجراء الفحص الطبي قبل الزواج، ويكمن ذلك من خلال المحاضرات التوعوية والارشادية والتي تسهم في غرس الثقافة الصحية، مضيفة: “الهدف الرئيسي هو إنشاء جيل صحي خالٍ من معاناة الأمراض الوراثية وتبعاتها، كما أن وعي الأفراد يساعد في القضاء على عواقب أمراض الدم الوراثية التي تنتقل للأبناء نتيجة لإهمال الأبوين بمثل هذه الإجراءات، ونتيجة للتقدم الصحي الذي تشهده السلطنة في الفترات الأخيرة فقد تمكنت من توفير كافة السبل لينعم الأفراد ببيئة صحية خالية من الأمراض الوراثية، ولا تكاد مؤسسة صحية تخلو من هذه الفحوصات، إضافة إلى أن الحل الوحيد لعلاج هذه الأمراض من الناحية الطبية هو عملية زرع نخاع للمصاب من متبرع من أقاربه الذين يملكون تطابقا في الأنسجة للمريض، أما في حالة خضوعهم لهذا الفحص وبناء على النتائج المسجلة فيمكن تجنب حدوث هذه الأمراض من خلال الزواج من طرف سليم، ومن جانب آخر فإن وعي الأفراد بهذه الفحوصات يسهم بشكل كبير في تخفيف العبء على الدولة في علاج هذه الأمراض مستقبلا”.