سارة بنت سعود السرحنية
جمعية الاجتماعيين العُمانية
تمثل الأسرة رابطة اجتماعية وركيزة أساسية للمجتمع، ويعتمد تماسك المجتمع على تماسك الأسرة نفسها، لكن هناك من المشاكل والتحديات التي تهدد تماسك الأسرة وتهدم أركانها؛ مما يؤدي إلى حدوث الطلاق.
وكشفت نشرة “الزواج والطلاق لعام 2022” في سلطنة عمان الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات عن ارتفاع حالات الطلاق بنسبة %8 في عام 2022 مقارنة بعام 2021، حيث تمَّ تسجيل 4160 حالة طلاق. وتحدث عدد من المتخصصين حول أسباب ارتفاع معدلات الطلاق مؤخرًا والتبعات السلبية التي تعقبه وأبرز الحلول الذي قد تسهم في خفض هذه المعدلات، مؤكدين خطورة تفاقم هذه الظاهرة في مجتمعاتنا.
تقول عايدة بنت سلطان العمورية، باحثة اجتماعية بالمحكمة الابتدائية بولاية إزكي ومؤلفة كتاب دراسة حول الطلاق وأثره على نفسية المرأة العمانية: “إن معدلات الطلاق زادت منذ مدة قريبة على نحو لم يسبق له مثيل، وازدياد الطلاق بهذا الشكل أصبحت مشكلة تحتاج إلى حل جذري ووضع ضوابط للأسرة وزيارة التوعية لفئة المقبلين على الزواج”.
وتشير إلى أن أبرز الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق هو قلة الثقافة الدينية والمسؤولية لدى الزوجين، بالإضافة إلى ازدياد الخيانات الزوجية وغياب الثقة والعنف الأسري والانسياق نحو المستجدات الحديثة وتكبيل النفس بالديون المادية اللامنطقية”.
وحول الآثار الناجمة على الأسرة والمجتمع من الطلاق توضح العمورية: “نقص الشعور بالاستقرار والأمان وتدني المستوى الدراسي للأبناء وشعور الأبناء بالنقص وضعف التركيز وضعف الرغبة في الدراسة إذا ما تم التجاوب معهم على نحو إيجابي، كما يولد الطلاق لدي الوالدين الأمراض العضوية مثل: الضغط، والسكر، والغدة الدرقية، والأمراض الأخرى الذي تتولد من الشعور بالحزن، بالإضافة إلى صعوبة الاندماج في العالم الخارجي ورغبة الشخص بالبقاء بعيدًا عن كل شيء تجنبا لسؤاله عن سبب الطلاق، كما أنه في بعض الأحيان تعتري المدة الأولى من الطلاق رغبة كل طرف بالتخلص من ذكريات الزواج، وتشمل كل شيء حتى الأبناء يتمنى كل طرف التخلص منهم؛ لأنهم لا ذنب لهم بالشعور السلبي الذي حصل بين الأبوين فالأمر حصل فوق طاقتهم، لذلك فإن الطلاق مدمر ومشتت وقاتل لنفسية كلا الطرفين”.
وتبين أن سبب قيامها بتأليف اللدكتاب الذي نُشِرَ في سنة 2013 هو ارتفاع عدد حالات الطلاق التي صادفتها في عملها، وسببت لها كسرا نفسيًا عميقًا، فقد تتجاوز 9 حالات طلاق أسبوعيًا في محكمة واحدة، ولذلك توجهت إلى الكتابة رغبة منها بتخفيف وطأة الطلاق على الأسر والأبناء والمجتمع.
من جهتها، تقول ريه بنت سليمان الخزيرية، أخصائية اجتماعية بدائرة التنمية الاجتماعية بولاية بركاء وأخصائية اجتماعية سابقا بوزارة التنمية الاجتماعية قسم الإرشاد الأسري: “ما نراه من واقع العمل في وزارة التنمية الاجتماعية من تفاقم وانتشار ظاهرة الطلاق؛ يهدد تماسك واستقرار الأسرة، ووقوع الطلاق له عدة أسباب منها: وجود تدخلات من أسر الطرفين، وضعف الخصوصية والسرية من قبل إحدى الأطراف في العَلاقة الزوجية، وعدم تقبل الطرفين للخضوع لجلسات الإرشاد الزواجي، وضعف وعيهم بوجود أقسام للتنمية الأسرية بمختلف الدوائر في السلطنة، ووجود مختصي في الإرشاد والتوجيه واختلاف التوافق الفكري والمعرفي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والديني، ونلاحظ هذا في بعض حالات الزواج بالخارج وغياب بعض مهارات المهمة في أركان الزواج الناجح منها الحِوَار وإدارة الانفعالات والغضب وحل المشكلات وإدارة الميزانية المالية”.
وحول الحلول المقترحة للحد من ارتفاع حالات الطلاق أشارت الأخصائية الاجتماعية ريه الخزيرية: “إلى التوعية بشتى الطرق الإعلامؤة (المسموعة والمرئية والمقروءة)، وأيضا الخدمات المكتبية منها الجلسات الإرشادية والتوجيه لكون الطلاق من أصعب الأزمات التي يمر بها الفرد داخل أسرته إلا أنه قد يكون حلا في حالة تعذر الحياة الزوجية، بالإضافة إلى وجود تنسيق بين الدوائر وأقسام المجلس الأعلى للقضاء من أجل خضوع الطرفين لجلسات الصلح وتقديم الإرشاد الاجتماعي والأسري لتهيئة الطرفين لما سيحدث من عواقب ونتائج لوقوع الطلاق كحضانة الأطفال والنفقة والمشاعر السلبية التي يخلفها الطلاق للطرفين وللأبناء، ونشر وعي بإخضاع الراغبين بالزواج للبرنامَج الوطني للإرشاد الزواجي للمقبلين على الزواج والمتزوجين حديثًا حيث انطلق البرنامَج عام 2014، واستهدف شريحة كبيرة من المجتمع، ويحقق البرنامج الأهداف المنشودة من خلال تزويدهم بالعديد من معارف والمهارات المتعلقة بالحياة الزوجية الناجحة من شأنه تحقيق الوعي الأسري قبل اللجوء إلى الطلاق”.
وتبين زينب بنت خلفان الحسينية، باحثة اجتماعية في قسم التوفيق والمصالحة: “تتقصى اللجنة أسباب الخلاف وتحاول الصلح بقدر الإمكان والاجتماع بالطرفين وتقريب وجهات النظر بينهم، ولكن بعض الحالات تكون قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من المشاكل، في هذه الحالة لا يتم الصلح ويقع الطلاق”.
ومن خلال تعاملها في بيئة عملها، فإن معظم أسباب المشاكل بين الزوجين هي إدمان الزوج للمسكرات وغياب الوضوح والتفاهم – خاصة من جانب الزوج – بالإضافة إلى السكنى في منزل العائلة وعدم توفر منزل مستقل”.