خاص ـ شؤون عمانية
يؤكد عدد من رواد ومواقع التواصل الاجتماعي والمواطنين والمقيمين والمختصين بمجال الاقتصاد، أن الأسواق المحلية تشهد حالة من التراجع في مستويات القوة الشرائية، سواء في المجمعات التجارية الكبيرة أو على مستوى المحال التجارية في مختلف المناطق.
وأرجع اقتصاديون سبب تراجع القوة الشرائية إلى العديد من الأسباب، والتي من بينها استمرار تأثر الأسواق بجائحة كورونا وضعف مستويات الدخل وارتفاع نسبة الباحثين عن عمل، وزيادة العرض غير المتوازن مع الطلب، وتغير سلوك المستهلك وأنماطه، وظهور مشاريع التطوير العقاري التجاري التي أوجدت حالة من التكدس في ظل ضعف الكثافة السكانية.
ويقول المحلل الاقتصادي الدكتور يوسف بن حمد البلوشي، إن العديد من المؤشرات تؤكد وجود حالة من الضعف في القوة الشرائية، وذلك بسبب تعرض الطبقة الوسطى في المجتمع لضغوط كبيرة وانحسار الدخل المتاح لديها، حيث يتمثل ذلك في ضعف قدرتها الشرائية لاحتياجاتها من الأساسيات بما في ذلك الكماليات، مع عدم قدرتها الواضحة على الادخار، والذي يمثل الخطوة الأولى في طريق الاستثمار، ولا تخفى أهمية الطبقة الوسطى في الدول لكونها المحرك الرئيسي للاقتصاد وقدرتها على اقتناء السلع والخدمات تنعكس على تحريك الأنشطة الاقتصادية وازدهار الاقتصاد.
ويوضح: يجب أن نشير إلى خلو مراكز التسوق الكبيرة من الازدحام والحركة، مع الانتشار الملحوظ في إعلانات الإيجار أو البيع أو التصفية في مواقع مختلفة، مع زيادة الإقبال والاكتظاظ على محلات بيع السلع الرخيصة على سبيل المثال لا الحصر، كما أن هناك تزايدا ملحوظا في الطلبات على لجان الزكاة في الولايات وخدمات الجمعيات الخيرية التي تواجه هي الأخرى تحديات في الإيفاء بالطلبات الكثيرة التي ترد إليها.
وتابع قائلا: هناك أسباب كثيرة، ولربما أن تداعيات جائحة فيروس كورونا لا تزال موجودة لليوم، وما سببته من توقف في حركة الأنشطة الاقتصادية وانحسار الطلب الكلي على السلع والخدمات وزيادة التضخم الأمر الذي أدى إلى تسريح عدد كبير من العمانيين وغير العمانيين وفقدانهم لدخولهم، وكذلك موجة التقاعدات في القطاع العام وفرض ضريبة القيمة المضافة والبدء في تخفيض الدعم المقدم من الحكومة للكهرباء وغيرها، إذ إن الدخل المُتاح للأفراد بعد استقطاع أقساط البنوك التي تصل إلى 50% من الدخل واستقطاع الحاجات الأساسية من السلع والخدمات، يتبقى بعد ذلك هامش ضيق للإنفاق على أوجه الإنفاق الأخرى.
من جهته، يبين الكاتب والإعلامي في الشأن الاقتصادي مصطفى المعمري، أن ما تمر بها الأسواق المحلية وما تشهده من حالة ركود هو وضع ليس بالجديد، إذ أن هذا الوقت تعاني فيه العديد من الأسواق مثل بعض الأسواق الخليجية بسبب أزمة كورونا وما تبعها من أزمات أثرت على واقع تلك الأسواق التي كانت تعيش تخمة من الأرباح وحالة غير مسبوقة من الانتعاش التجاري والاستثماري.
ويضيف المعمري: وضع السوق المحلي اليوم وما يشهده من ركود وتراجع هو ليس ببعيد عن واقع العديد من الأسواق، وذلك بسبب العديد من العوامل والمؤثرات الاقتصادية والجوسياسية والاجتماعية وحالة عدم الاستقرار الاقتصادي محليا وخارجيا، وهو ما يتطلب إيجاد معالجات لواقع هذه الأسواق التي بدت تعيش حالة من الكساد والتراجع، وهو ما دفع بالبعض إلى إغلاق أنشطتهم التجارية، وأغلبها تلك الموجودة في المراكز التجارية الكبيرة ربما لقلة خبرتها أو ضعف في البرامج التسويقية أو ارتفاع عقود الإيجارات أو غياب الخبرات الإدارية التي يمكن أن تنتشل هذه المراكز من حالة الضعف والتراجع الذي تعيشه منذ فترة ليست بقصيرة.
ويؤكد المعمري: لا يمكن اليوم تحديد الأسباب الرئيسية وراء حالة كساد أسواقنا المحلية ولكن يمكن ربطها بالعديد من العوامل، ومنها على سبيل المثال انتشار ثقافة التسوق الإلكتروني التي بدت حاضرة بقوة في الكثير من طلبات السلع والبضائع خاصة الكمالية منها، وارتفاع عدد المحلات والمراكز التجارية في منطقة محدودة، كما هو الحال في منطقة بوشر والسيب، حيث ارتفعت أعداد المراكز التجارية والمشاريع التجارية “البنايات السكنية التجارية” وهو ما أحدث خلل في القوة الشرائية، نتيجة ارتفاع المعروض من المحلات مقارنة بعدد السكان في هذه المناطق، ومن العوامل الأخرى أيضا اختلاف سلوكيات وثقافة المجتمع خاصة فيما بعد جائحة كورونا، وأصبح الجزء الأكبر من المستهلكين يركزون على الادخار، واقتناء احتياجاتهم الأساسية من السلع، إلى جانب تفكير عدد كبير من المستهلكين في عدم وضوح الرؤية حول توجهات الدولة فيما يتعلق بالتوظيف، والإجراءات المرتبطة بأنظمة الحماية الاجتماعية وتحديدا موضوع الترقيات والعلاوات وقانون الإجادة وقانون الوظيفة العامة المرتقب وتدني مستوى الرواتب وغيرها من الإجراءات التي أصبحت تمثل قلقا بالنسبة للمواطنين والمقيمين، .
وذكر: شكلت المديونيات والقروض عنصرا أساسيا في تراجع القوة الشرائية مع النمو المتزايد في عدد المواطنين المثقلين بالديون، وهذا الرقم يسجل سنويا أرقاماً عالية، كما أن هجرة الكثيرين من العاصمة مسقط في ضوء ارتفاع تكلفة المعيشة في المحافظة من سلع وعقود الإيجارات السكنية والتجارية وغيرها العديد من المسببات وراء كساد الأسواق، يضاف إليها ارتفاع فواتير الكهرباء والمياه.
ويوضح المعمري أن الواقع الذي تعيشه أسواقنا التجارية خاصة في محافظة مسقط يتطلب دراسته بعناية والوقوف على أسباب تراجع القوة الشرائية، وحالة الضعف الذي تعيشه مشاريعنا التجارية، ومن المهم تحقيق مبدأ التوازن في تنفيذ أي مشروع تجاري، ودراسة طبيعة كل منطقة وحاجتها من المشاريع، وعدم إغراقها بنوعية واحدة من المشاريع، إذ إن هناك مناطق مكتظة بالمشاريع المتشابهة كما هو الحال في موضوع المطاعم والمقاهي وهو بطبيعة الحال يؤثر بشكل مباشر على تلك الأنشطة ويقلل من استمراريتها وديمومتها.
ويتابع: على الجهات المختصة وفي مقدمتها وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار ووزارة الاقتصاد ووزارة العمل، أن تعيد دراسة واقع السوق وتنظيمه بعيدا عن العشوائية الحاصلة، والعمل على تقديم تنازلات وتسهيلات وحوافز استثمارية جاذبة ومشجعة، ومن المهم وضع قوانين محفزة للاستثمار في مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية، وتحفيز القطاعات السياحية، والاهتمام ببرامج التسويق السياحي، وفتح المجال أمام استقطاب العمالة الماهرة التي يمكن أن تسهم في دعم القطاعات الاستثمارية والتجارية والعقارية والسياحية، وهي جهود لا بد أن تتكامل بين مختلف مؤسسات الدولة الحكومية والخاصة، ووضع رؤية متكاملة ومشتركة لدعمها وتوجيهها بما يحقق المصلحة العامة أيضا.
كما شدد على ضرورة دراسة واقع المجتمع وسلوكياته واحتياجاته وكيف يمكن أن يتفاعل ويسهم في إنعاش القطاعات التجارية من خلال قراءة واقعية لمستويات الدخل واحتياجات المجتمع ومتطلباته من الخدمات التجارية والسياحية والعقارية، وهو ما قد يمثل داعما ومحركا أساسيا لقطاعنا التجاري، كما أن قضية مثل الازدحام المروري في محافظة مسقط تمثل عقبة وتحديا في تعزيز النشاط التجاري، ومن خلال تراجع وهروب الاستثمارات وعودة الكثير من سكان مسقط إلى مناطقهم وعدم تقبل المجتمع للتسوق بسبب الازدحام الذي تعاني منه أغلب طرف مسقط، فالطريق الذي كان يحتاج لنصف ساعة يأخذ اليوم في بعض الأوقات أكثر من ساعة ونصف، كل ذلك يؤثر على تؤثر على القوة الشرائية.
ويبيّن: لقد بادرت الكثير من الدول إلى طرح برامج عديدة ومختلفة مثل المهرجانات السياحية والتسوق، وتقديم عروض جاذبة من التخفيضات والتنزيلات على السلع والخدمات وتحديدا في المراكز التجارية الكبرى، دعم رواد الأعمال من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بوسائل مختلفة، كتخفيض الرسوم والضرائب، وتحفيزها من خلال إعفاء عدد من السلع من ضريبة القيمة المضافة، وتحسين مستوى دخل الفرد، وتعزيز برامج التوظيف، ومراجعة رسوم الضرائب على بعض الخدمات وغيرها من عناصر الدعم والتحفيز التي يمكن الاشتغال عليها لرفد ودعم الأسواق التجارية خلال الفترة القادمة.