د. حمد بن مبارك الرشيدي
التطور البطيء هو تطور قاتل؛ لأنه يضيع الأوقات، ويهدر الموارد، ويذهب الفرص، ويسبب المشاكل بأنواعها، وقد كانت بداية التطوير في الكتابة بالعدل بالسلطنة مبشرة وذلك بنزول قانون الكاتب بالعدل عام (2003م)الذي نقل صلاحيات التوثيق من القاضي إلى الكاتب بالعدل، فاعترض بعض القضاة على ذلك؛ لأنه يذهب بشيء من سلطتهم وجاههم وفاتهم أن يدركوا ما أدركته القيادة الحكيمة أن هذه دولة قانون لا مزرعة يرتع فيها البعض كما يشاؤون دون وازع أو رادع، ثم حاول بعض الكتاب أن يقترح على وزير العدل آنذاك أن يكون كل محرر يصدره الكاتب من نسختين نسخة تكون أصلا، ونسخة تعطى لصاحب العلاقة بدل أن يكتب الكاتب بالعدل محررا لصاحب العلاقة، ثم يعيد كتابة ما حرره بالسجل ويوقع الأطراف على الورقة وعلى السجل! ولكن الوزير رفض هذا المقترح وهذا شأن من يجمد على القديم ويتمسك به لقدمه لا لكونه أحسن وأفضل، وكم لقي الكتاب والمتعاملون عنتا من هذا الإجراء وضاعت بسببه أوقات عزيزة وكثر التبرم من الجميع، حتى جاء الفرج عندما قام أحد الكتاب بزيارة لأحد الوزراء لإجراء وكالة له وكان حاملا معه ذلك السجل الضخم فاستنكر الوزير هذا الأمر واتصل بوزيرنا وقال له: إن الناس قد وصلوا القمر وانت لا زلت تسحب هذه السجلات، عندها فقط راقت الفكرة لوزيرنا لكي يأذن بعمل نسختين تكون أحدهما أصلا يحفظ لدينا ونسخة تعطى لصاحب العلاقة، وظننا أن ذلك بشارة خير بالتخفيف من ثقل السجلات ثم تناهى الى أسماعنا أن هناك تطورا سيحدث ولم ندرك أن فاقد الشيء لا يعطيه وأن المستحيل ليس ثلاثة كما قال الشاعر الجاهلي بل أربعة؛ فلم يكن هذا التطور إلا استحداث سجلات جديدة بلغ عددها أكثر من عشرة سجلات فسجل للمعاملات اليومية؛ وآخر للتصديقات، وثالث للفهرس ورابع لإثبات التاريخ، وخامس لإثبات الترمل، وسادس للزواج، وسابع للطلاق، وثامن لعدم الزواج، وتاسع للمحررات، ناهيك عن سجلات حفظ الخلفيات، وتكدست السجلات معنا وتراكمت ولم نجد مكانا نحفظها فيه؛ لكثرتها ولم تسعها الخزانات، فوضعت على الأرض ولعبت فيها الأرضة (الرمة) وضاعت أوقات الموظفين في التسجيل والحفظ على حساب خدمة الناس، وضج الجميع من ذلك، ولاحت بارقة الأمل بتعيين وكيل مجتهد ومنفتح على التقنية، وكان ذا رغبة عارمة في التغيير، ولكنه رزق بمستشار معوج بالطبع والطبيعة مقرب من الوزير وكان كلما أبرم الوكيل خطوة نحو الأتمتة والتقنية نقضها وكلما فتل الوكيل حبلا نحوها زعزعه وظل الأمر ما بين محاولات الوكيل وتعطيل المستشار سنين عددا قاسينا فيها الأمرين متعلقين بسراب نحسبه ماء وكلما اقتربنا منه وجدناه لا شيء، وليت شعري أي بناء يقوم وأي صرح يبقى وهناك معاول هدم لا تريد الإصلاح ولا يهمها أصلا
ولذلك صدق القائل:
وألف بناء لا يقوموا لهادم &فكيف ببان خلفه ألف هادم
وقول الآخر:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه &إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
حتى أذن الله بالعهد الجديد الذي وضع الأتمتة على رأس أولوياته وجعل لها وحدة تراقب تنفيذها وتذلل العقبات التي تعترضها وتقيم المسؤول وفق إنجازاته لا وفق حسبه ونسبه؛ فخرج نظام (توثيق) للنور والحمد لله رب العالمين.
hamedmo7979@gmail.com