خاص- شؤون عمانية
المتتبع للتأثير الشعبي حول أية قضية من قضايا الواقع المعاش للأمة، سيجده حتما له ذلك التأثير النفسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي في أحيان كثيرة على الطرف الآخر، والقضية الفلسطينية خير مثال على ذلك، إذ نجد ذلك التأثير واضحا وجليا ونتائجه في القضايا المصيرية لا يمكن تجاهلها.
ويقول الكاتب والشاعر يونس البوسعيدي: ظلّت البروباغاندا الإعلامية في بداية القرن الحالي تقزم دور الضغط الشعبي في القضايا المصيرية، ولم يكن ذلك عملها منفردة، لقد كانت مسنودة بتمييع القوانين وإساءة استخدام السلطة والبرلمانات؛ الأمر الذي ولّد قناعة انهزامية حول ضعف التأثير الشعبي، وتم استغلال ذلك في صنع ملهاة عن المأساة في داخل كل دولة، مثل إلهاء الشعوب في البحث عن لقمة العيش أو اختلاق مشكلة ما تتناولها وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
ويضيف البوسعيدي: مع ذلك كانت الجمرة تحت الرماد، ولم تستطع وسائل الإعلام الحكومية أن تمنع الحقيقة عن المواطنين الذي تابعوا ما يحدث،واللقمة التي حوصر بها الإنسان البسيط أعاد استعمالها كرصاصة في حرب مقاطعة للشركات الداعمة للعدو، وكانت تلك الرصاصة ترسانة حربية شعبية فعالة تؤدي دورها بكفاءة لليوم، وتفتقر الشعوب العربية لديموقراطية حقيقية في برلماناتها لتضغط بقوة أكبر، ولكن مع تصاعد الوعي الاجتماعي واقتراب الشعوب من بعضها البعض، فأنا أتوقع انه سيأتي اليوم الذي تقر فيه هذه القوة الشعبية مصير القضايا الكبرى.
من جهته، يبيّن الشاعر والكاتب سعيد الصلتي: أن ثوران الشعوب هو الشرارة الأولى التي منها يولد العصر الجديد، وتتفجر عنها الأحداث الجسيمة، فالشعب قوة ساكنة إذا تحركت أحرقت الأخضر واليابس، وزعزعت الكيانات المستقرة، وقلبت الموازين في غمضة عين، وبثت الرعب في الحكومات والسياسات، ولقد باتت الحكومات واعية أشد الوعي بالقوة الشعبية؛ ولذلك لجأت إلى التضليل الإعلامي، حتى لا تنقل الحقيقة دفعة واحدة، فتولد تيارا صاعقا في قوة الشعب الناعمة النائمة، كما مارست الحكومات سياسية التخدير بالمال والأعطيات وزيادة الأجور، حتى تكون الشعوب مدجنة أليفة لا تقوى على مقارعة بطونها فكيف تقارع العدو الخارجي، وأصبح همها اقتناص الفرصة لأكل المزيد وجمع المزيد، ومع ذلك فهذه الشعوب يمكن أن تخرج من خدرها الموقوت ذاك بصعقة إنعاش تعيد بها حياة الكرامة من جديد.
ويتابع: هناك من الحكومات من يمارس سياسية القمع والتهديد والوعيد، ويبث الرعب والخوف في الشعوب، وهذه الطريقة من أفشل الطريق؛ لأنها تنذر بانفجار مباغت في أي لحظة، فالكبت يؤدي إلى الانفجار، ومهما كانت ممارسات الحكومات في حق شعوبها؛ فإن الشعب يظل منتميا للعقيدة المتغلغلة في قلبه، تلك التي تمثل رابطا لا يمكن استئصاله، والعقيدة هنا بمعناها الأوسع تشمل عقيدة الدين، واللغة، والمجتمع، والعادات، والقيم، والروابط الجغرافية، وغيرها مما يولد في نفس الشعوب انتماء مشتركا، وكلما زادت الأواصر المشتركة زادت الهبة الشعبية بين المتشابهين.
ويؤكد بقوله: حين انتفضت غزة في فلسطين انتفضت معها شعوب الإسلام والعروبة، كما انتفضت معها الإنسانية في كل بقاع الأرض؛ لأن الانتفاضة على قدر الجرح وعمقه، فالألم في جسد غزة وصل صداه إلى الأطراف التي لبت نداء الإنسانية، وأدركت أن الحكومات التي لا تستنكر الواقع في غزة يمكن أن تنقلب عليها فهي ليست في أمان أمام من لا يقيم للإنسانية وزْنا، ولا يضع للرحمة في قلبه مكانا، ولقد تزلزلت الحكومات في كل الأرض، وعلمت أن الجرح أعمق من المتوقع، وأنه قد يلتهب ليكون جرح العالم كله، وإن لم تعقل الحكومات؛ فعما قليل ستقوم الحرب العالمية الثالثة التي تطلق الشعوب الحية نارها الأولى، وسوف تندثر الحكومات تحت قسطل الشعوب، وتقوم على أنقاضها أمم أخرى.
ويؤكد الكاتب والشاعر جمال النوفلي: أن المؤسسات السياسية في كل دول العالم خاصة الدول القوية هي من يقود شعوبها إلى تبني ثقافة ما وسياسة ما وليس العكس، وقد يظن المتابع في الوهلة الأولى ان الشعوب وثقافتها هي من يدفع بالحكومات إلى تبني التوجهات السياسية التي تمضي فيها، كما أ، صناعة الرأي العام وقيادة الجماهير هي من أخطر المهام التي تناط بالمؤسسة الحكومية، لأن الجماهير لديها قوة غاشمة ومدمرة ويصعب احتواؤها إذا ما انطلقت في أمر حتى تصل إلى مرحلة الفوضى، والفوضى تفضي بلا شك إلى نتائج سلبية كارثية.
ويشير إلى أنه: في في القضية الفلسطينية تتفق الشعوب العربية مع حكوماتها على الانتصار للطرف الفلسطيني المغتصبة أرضه وبلاده من المحتل، وكذلك تتفق معظم الشعوب الغربية على حكوماتها على تأييد ساستها في الوقوف ومساندة الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين، وللإعلام الدور الأكبر لدى الجانبين في صناعة الثقافة والقرار، وهكذا تجد درجة الحماس والتفاعل مع القضية يختلف من دولة إلى أخرى ومن شعب إلى آخر والكل يسعى إلى غاية واحدة وهي تحقيق العدالة والانتصار للأخيار ورفع الظلم وإثبات الكرامة.
ويوضح: لأن الشعوب العربية تربطها وحدة اللغة والتاريخ المشترك والدين الإسلامي فإنها تزداد تماسكا وقربا ببعضها البعض مسترجعة أدبياتها التاريخية الجهادية وأزمان الفتوحات، وذلك كلما ظهر عدو تاريخي مشترك أو تم المساس بإحدى مقدساتها كالقدس والمسجد الأقصى، ولأنه قد يضعف أصحاب القرار السياسي في الوطن العربي أمام الهيمنة السياسية الأمريكية الأوربية الداعمة للكيان الصهيوني بكل وسائله الحربية والسياسية والاقتصادية المعلنة وغير المعلنة، فإن دور المجتمعات يأتي مهما لدعم القرار السياسي العربي ببث الروح القومية فيه وتثبيته ودفعه بالمسيرات السلمية والمطالبات وتبني القضية في مختلف وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وإبراز نواجذ الغضب الشعبي ضد أفعال الاحتلال الغاشم في غزة وأطفالها الأبرياء، وعلى كل فرد مؤمن بالحق الفلسطيني وكل فرد لديه ذرة من الانسانية أن يبقي جذوة الحماس مشتعلة وأن يجعل مشاعره يقظة للوقوف مع المظلومين ونصرتهم وللسعي لإبراز الحقائق للعالم أجمع حتى تستيقظ تلك الشعوب من سباتها وتغير من قرارات ساستها وقادتها.
ويختتم الكاتب حمدان البادي الحديث في هذا السياق قائلا: التأثير الشعبي في عصر الانترنت على وجه التحديد أثبت أن له دورا في مواجهه الكثير من القضايا المحلية والدولية التي لا تتوافق مع تطلعات الشعوب، وقدرة تأثرها مرهونة بقدرة الحشد الجماهير لتبني لتلك القضايا وتأثير قوة ناعمة تنتقل من المنصات الرقمية والهشتاج لتصبح واقعا، كتطبيق سياسة المقاطعة وهي الحل الحاضر دائمة كعامل ضغط يلزم المعنيين بالوضع بالتعامل معه في سياق المطلب الجماهيري.
ويضيف: نقف اليوم مع الأخوة في فلسطين في قضيتنا الأولى لندعم صمودهم ومقاومتهم للمحتل، نقف معهم بالكلمة والمقاطعة وبالدعاء في جهاد ضد حراس البوابات الذين يمنعون نشر أي محتوى يدعم القضية على منصاتهم، وندعم بالمقاطعة ضد من يقف في صف الكيان الصهيوني وقد بدأت نتائج هذه الجهود بالظهور عبر الاعتذارات التي يتقدم بها وكلاء هذه العلامات التجارية بعد أن أصبحت محلاتهم خاوية، ورأينا كيف يواجه أصحاب المنصات الرقمية تشديدا في الرقابة على نشر المحتوى الداعم لفلسطين وتفنيد أكاذيب الكيان الصهيوني ومواجهة آلة الإعلام الصهيونية التي تتحكم في جميع ما ينشر بصورة مباشرة وغير مباشرة.
ويشير قائلا: لعل أبرز تشبيه لذلك التأثير نظرية الفراشة التي تحدث عنها الشاعر محمود درويش “أثر الفراشة لا يرى ولا يزول”، وتغريدة واحدة يراد بها حق حتى لو خرجت من بقعة نائية في هذا الكون، سوف يصل تأثيرها وتلهم آخرين في بقعة أخرى من هذا الكون لدعم القضية، فالتأثير الشعبي له دور في دعم الإنسانية وأن نقف في وجه الظلم بالكلمات، ومهما كانت هذه الكلمات بسيطة أو ليست ذات قوة بلاغية فهي كفيلة بأن تربك الكيان الصهيوني.