رأي شؤون عمانية
دخل العدوان الإسرائيلي الشامل على الفلسطينيين في كل من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلتين أسبوعه الثاني، ليجد الفلسطينيون أنفسهم تحت أتون آلة حربية لا تستثني نيرانها البشر ولا الشجر ولا الحجر، وسط صمت تام بل وربما تأييد من المجتمع الدولي، رغم الدعوات المتلاحقة التي تطلقها دول المنطقة ومنها سلطنة عمان التي أكدت بشكل لا لبس فيه خلال ترؤس جلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- اجتماع مجلس الوزراء، التضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق ودعم كافة الجهود الداعية لوقف التصعيد والهجمات على الأطفال والمدنيين الأبرياء، وإطلاق سراح السجناء وفقًا لمبادئ القانون الإنساني الدولي.
فمنذ العملية النوعية للمقاومة الفلسطينية “طوفان الأقصى” والتي جاءت كرد فعل طبيعي ومشروع على الاحتلال وممارساته بحق الفلسطينيين، تعامى المجتمع الدولي- وتحديدا القوى الكبرى- وتمسك بما يصفه بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، متناسيا ما ارتكبته دولة الاحتلال على مدار عقود من انتهاكات ومجازر بحق الفلسطينيين وعدوانها الدموي عقب اقتحاماتها المستمرة للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية بالضفة الغربية، وما تقوم به من عمليات قتل وأسر ليسقط عشرات الشهداء في هذه الاقتحامات، بالإضافة إلى العقوبات الجماعية التي تفرضها سلطات الاحتلال وأذرعها المختلفة على المواطنين الفلسطينيين والإيعاز للمستوطنين بانتهاك المقدسات واستفزاز مشاعر الفلسطينيين.
وحينما استخدم الفلسطينيون حقهم المشروع في المقاومة، انتفض المجتمع الدولي لا لنصرة المظلوم ولا حتى مساواة الجلاد بالضحية، بل انتصارا لهذا الجلاد وداعما له بكل ما أوتي من قوة.
وتأتي الدعوات المتكررة من سلطنة عمان بضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته لحماية المدنيين وضمان احتياجاتهم الإنسانية ورفع الحصار غير المشروع عن غزة وباقي الأراضي الفلسطينية، لتمثل صوت العقل والحكمة والنهج الذي يجب أن يحتذى به، خاصة وأنها دعت أيض إلى استئناف عملية السلام لتمكين الشعب الفلسطيني من استعادة كافة حقوقه المشروعة بإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفق مبدأ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وجميع القرارات الأممية ذات الصلة.
ولم تكتف سلطنة عمان بمجرد الدعوات بل كثفت تواصلها مع دول العالم، إذ تتواصل اتصالات معالي السيد بدر بن حمد وزير الخارجية مع نظرائه في دول العالم وخاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لبحث هذه التطورات والتأكيد على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته.
واليوم نحن أمام عدوان يرتقي إلى جرائم الحرب من خلال ما ينتهجه من استهداف متعمد للمدنيين بما فيهم من أطفال ونساء، مبيدا عائلات بأكملها عبر هدم بيوتهم فوق رؤوسهم، مع اتباع سياسة الأرض المحروقة من خلال إزالة أحياء من على الخريطة وقصف المستشفيات والمسعفين وقوافل المساعدات بل وحتى الصحفيين الذين ينقلون الحقيقة.
وفي ظل هذه الجرائم، على المجتمع الدولي أن يقوم بصحوة دولية سياسية وأخلاقية وقانونية تُفضي لإجراءات دولية فاعلة لإجبار دولة الاحتلال على وقف عدوانها الدموي، وتُجبرها على الانخراط بعملية سياسية حقيقية تقود لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي طال أمده لأرض دولة فلسطين.
فهذا المشهد الدموي الذي بات يسيطر يوميا على حياة الفلسطينيين وما سبقه من إجراءات تفرض عليهم المزيد من التقييدات التي تحول دون قدرتهم على تطوير أوضاعهم واقتصادياتهم وتهدد الأمل بحياة آمنة ومستقرة في وطنهم لا بد وأن ينتهي فهو عار على البشرية.. عار يتحمله بالمقام الأول الاحتلال الذي لا بد وأن يتحمل المسؤولية الكاملة والمباشرة عن نتائج انتهاكاته وجرائمه المتواصلة بحق أبناء الشعب الفلسطيني.. عار يفاقمه تقاعس المجتمع الدولي عن تحمل مسؤولياته هذا التقاعس الذي بات مشجعا لدولة الاحتلال على الاستمرار في تنفيذ مشاريعها الاستعمارية التوسعية وارتكاب المزيد من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
فالمجتمع الدولي بوجه عام والرباعية الدولية وعلى رأسها الولايات المتحد بشكل خاص، مطالب بتحرك عاجل لوقف هذا التصعيد الذي يستهدف السكان المدنيين في غزة، وتحقيق هدنة تفتح من خلالها الممرات والأجواء للاحتياجات الإنسانية العاجلة وإعادة تشغيل محطات الكهرباء والمياه للقطاع، ومن ثم البدء في تفاوض حقيقي لتحقيق السلام العادل والشامل للقضية الفلسطينية واستعادة الحق الفلسطيني المشروع بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي اللامشروع.