محمد بن عيسى البلوشي
قبل أكثر من عشرين عاما توجه صديقي أبو أحمد إلى فرنسا، في رحلة تعليمية استغرقت شهرين لتعلم اللغة، وما أدهشني حينما سألته بعد العودة إلى أرض الوطن الحبيب حول تجربته، أنه قال إن الفرنسيين يعتزون بلغتهم، ولا يودون الحديث مع الآخرين بغير اللغة الفرنسية بل ويتمنعون أحيانا عن الحديث بغيرها في جميع الأماكن العامة أو الرسمية حتى ولو كان المواطن الفرنسي يتقن غيرها من اللغات.
انطلقت بعدها أبحث عبر محركات البحث الإلكتروني عن هذا الشعب الذي يعتز بلغته إلى هذه الدرجة، فوجدت العديد من التقارير والاستطلاعات تؤكد واقعا معاشا في فرنسا وهو أن “المجتمع الفرنسي يعتز ببلاغته في الحوار والنقاش إلى جانب اعتزازه الشديد بلغته، ويهتم بمضامين الحوار لا بمحاور النقاش”. وهنا أجدني أقف احتراما لهذه الثقافة.
إننا في وطننا العربي عموما وفي خليجنا خصوصا بحاجة ماسة اليوم إلى أن نتمسك بلغتنا العربية، في مؤسستنا الرسمية أو شركات القطاع العام والخاص مع أبناء وطننا ومن لهم حق علينا في العروبة والعقيدة، لأن ترك تلك الخصلة الحميدة أو التهاون في أدائها– كما نشاهد آسفين اليوم في بعض الخطابات والاجتماعات واللقاءات– يترتب عليه تراجعا في الفكر الإنساني العربي الثري بالبلاغة والفصاحة والعمق في مضامين الحوار، واللجوء إلى أفكار لا علاقة لها بعالمنا العربي.
إن بعض الممارسات التي نشاهدها في مجتمعاتنا اليوم باستخدام كلمة “كوفي” بدلا من “قهوة” أو “مقهى” وأيضا تعريب بعض المفردات الأجنبية من لغات أخرى إلى اللغة العربية، ونشر استخدامها بين العموم بداعي أنها أفكار إبداعية ومبتكرة وتعكس التطور، سيخلق جيلا يجد صعوبة في سبر أغوار ثقافته العربية والإسلامية والاستمتاع بغنى تلك الثقافة الأدبية والفكرية والثقافية والعاطفية، وسيترتب عليه مشكلات في طريقة التواصل، ويحد من تطور تلك المجتمعات نحو تحقيق أهدافها الإستراتيجية.
عندما يأخذ الإنسان من ثقافة الآخر كل شي، ويهمل ثقافته بل ويحاول صهرها في الثقافة الأخرى دون الاعتزاز بما عنده، فإنه بذلك يلبس عباءة التابع، لأن اللغة هي البوابة الكبرى التي من خلالها يدخل البشر إلى ساحة التعرف على الثقافات، فبعضهم يتعلم اللغة ويستخدمها مع من يتحدثها فقط ووقت حاجته الأساسية، ولكن نرى البعض الآخر – وللأسف الشديد– يحاول أن يستبدلها بلغة وطنه وثقافته وعقيدته ويتحدثها مع بني جلدته ليكون بذلك سفيرا للآخر في وطن لغة الضاد.