العمانية- شؤون عمانية
تتميز سلطنة عُمان بتنوع جيولوجي فريد جعل منها مقصدًا سياحيًّا لهواة الاستكشاف والمغامرات، تتنوع بين الجبال والكهوف والعيون والشواطئ التي تشكلت على مدى مراحل زمنية مختلفة.ويضم الحجر الغربي مجموعة من الجبال، منها الجبل الأخضر وجبل شمس والجبل الشرقي بمحافظة الداخلية، وتتميز هذه الجبال بمكنونات جيولوجية فريدة، بما فيها الأودية وأحجارها المختلفة في الأشكال والأنواع، والأشجار المتعددة كالعلعلان والزيتون البري (العتم) والبوت، وتشكل جانبًا اقتصاديًّا لسكان تلك الجبال، بالإضافة إلى وجود عددٍ من الكهوف الجميلة.
هذا ما أكد عليه مجموعة من المغامرين من سلطنة عُمان؛ وهم أحمد بن محمد العبري وأحمد بن محمد السالمي ومحمود بن ناصر الفهدي وعبد الله بن هلال الشرياني والمؤثر بن أحمد بن إبراهيم الكندي وعامر بن مرهون بن غالب العامري وراشد جواد رحماني من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأسهمت في تنظيم رحلاتهم مكتبة الشيخ محسن بن زهران العبري الأهلية العامة بالتنسيق مع شركة /روَحنا/ للمغامرات.وقام الفريق بالنزول واستخراج مكنونات كهف بركة الشرف الذي يبعد عن ولاية الحمراء ما يقرب من 25 كيلومترًا من خلال الطريق المؤدي إلى الجبل الشرقي، ويقع على جرف أحد الأودية على بعد كيلومتر تقريباً جهة الشرق من استراحة أرض القمر، ويكون الوصول إليه مشيًا على الأقدام، وهو أحد الكهفين اللذين يقعان في الجبل الشرقي إلى جانب كهف طوي العقبة.
وفي هذا السياق يتحدث الدكتور محمد بن هلال الكندي رئيس جمعية الجيولوجيين العُمانية قائلًا: إن الجبل الشرقي يوجد به كهفان؛ هما كهف بركة الشرف، وكهف طوي العقبة، ولكل من الكهفين ميزته الخاصة وجماليته التي تختلف عن الآخر، وكلاهما يحتاج إلى مغامرين مهرة لنزولهما، مضيفاً أن هذه الأماكن جاذبة لهم.
ووصف أحمد العبري هذا النزول بأنه فرصة لهم كمغامرين للاطلاع على الجديد من الكنوز في هذه البقعة الطيبة من سلطنة عُمان وللاستعداد للمهمة، حيث بات عدد منهم في الجبل والباقون انتظروا إلى فجر يوم الرحلة، إذ كان وقت الانطلاق بعد صلاة الفجر متجهين شرقاً بحوالي كيلومتر واحد من الاستراحة، واستغرقت رحلتهم منذ الانطلاق حتى العودة ما يقرب من ثمان ساعات حاولوا خلالها تسجيل ما بمقدورهم ملاحظته داخل هذا الكهف الذي يعد من الكهوف الرأسية بعمق حوالي 80 متراً.
من جانبه أشار أحمد السالمي إلى أن النزول الأول يحتاج إلى مصابيح بسبب انعدام الرؤية، بينما يكون التنفس حتى عمق الكهف طبيعيًّا جدًّا ولا يوجد اختناق أو غازات تضيق التنفس، أما نزلات الكهف فهي خمس نزلات؛ أطولها النزلة الأولى التي يبلغ طولها 27 متراً وباقي النزلات الأربع فهي مختلفة الأطوال إلا أنها أسهل من الأولى. وفي نهاية الكهف بركة ماء عميقة بها مجرى ضيق.
وأكد محمود الفهدي على أن النزول إلى الكهف ليس بالأمر السهل لغير المحترفين، ويحتاج إلى استعدادات وتجهيزات ومعدات متخصصة، وأشخاص ذوي خبرة في مجال المغامرات ومرخص لهم من قبل وزارة التراث والسياحة؛ لتجنب المخاطر والمحافظة على الكهف الذي يعد إرثاً للأجيال القادمة.
ووصف أحمد السالمي أن النزلة الأولى هي الأصعب لإنشاء درج لأنها بطول ٢٧ متراً، أما بخصوص النزلات الأخرى فهي نزلات بسيطة.فيما لفت عبد الله الشرياني إلى أن هذه الكهوف ثروة وطنية يجب المحافظة عليها وحمايتها؛ بإنشاء سور ووضع لوحة إرشادية لمن يزور المكان بها نصائح للمحافظة على نظافتها وعدم العبث بها وتشويه طبيعة المكان، والتحذير من النزول إليه لصعوبته إلا للمتمرسين بالتسلق الجبلي.وبيّن أحمد الكندي أن جدران الكهف تتكون من طبقات جيرية رسوبية، بعضها يحتوي على أحافير بحرية من النطاق الذي تشكلت فيه قبل بروزها لاحقاً على مرتفعات جبال الحجر، ووجودها حاليًّا على ارتفاع شاهق يقارب 2000 متر فوق سطح البحر.
وتتغطى جدران وسقوف الكهف في عدة مواضع بتشكيلات من نوازل وصواعد كربونات الكالسيوم الناتج من الترسب المائي، بعضها ما زال يجري وتتقاطر فيها المياه، والبعض الآخر جاف ويدل على أزمنة كان فيها المنسوب المائي أكثر جرياناً مكوّنًا شلالات جوفية.يذكر أن الزائر لهذه الأماكن يستمتع بالتنوع التضاريسي لهذه الجبال التي تحتوي على إطلالة رائعة من الأعلى إلى الأسفل، كما يتمتع برؤية بعض القرى الجميلة في عمق الفالق مثل قرية هاط وقرية بلد سيت، وإذا أمعن النظر في المناطق البعيدة من هذا الارتفاع سوف يظهر أمام ناظريه بعض ولايات سلطنة عُمان كولاية الرستاق.كما أن هناك بعض الأماكن التراثية التي لها تاريخها الغابر، مثل بركة الشرف وهي بركة بناها الأجداد على سفح الجبل لتجمع المياه وقت نزول الأمطار ليستفيد منها المارّون في تلك الجهة، وهذا أسلوب سقي اتخذه الأجداد في كثير من مناطق الجبل الأخرى، ولدى بعضها أوقاف لمتابعة صيانتها.