الكاتبة: لمى دعدوش*
أنت تعلم أنك ناقصٌ في عِلْمِك، ولا تحيط بالحكمة الإلهية التي تحكم الكون و تديره، فالكثير من الأشياء والأحداث في الحياة، تبقى في طيّ الغموض والضبابية، وتشعر أنك في ضعفٍ معرفي بكنهها وآلية وأسباب حدوثها -سواء في الجانب الشخصي أو في مجريات كل الأحداث حولك بشكلٍ عام- وهنا تجد أن أسلم نجاة هي في التسليم، التسليم للمجريات والأشياء التي تحدث في عالمك، والنظر إليها بعين الرضى والثقة بالله.
التسليم هنا هو اليقين الحقيقي والثقة القوية بالله وحكمته وأقداره، واليقين أنه هو المانح الحقيقي لكل ما أنت فيه من نعم حالية وماضية ومستقبلية، وأنه أي خير أنت فيه أو ستحصل عليه هو بيده هو حقيقة -وإن بدا لك أنه بأيدٍ أخرى- حقيقتها أنها وسيطة فقط بينك وبينه.
وهنا ينبغي أن تكون هناك لفتةٌ هامةٌ، فالتسليم لا يعني الضعف والكسل والتواكل، ونسب الأشياء إلى مسميات بعيدة كل البعد عنها، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ دبر كل صلاةٍ من “الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وغلبة الدين”، وهذا خير دليلٍ على المعنى الحقيقي للتوكل على الله والتسليم له.
فاليقين والثقة حالة قلبية داخلية نفسية عالية المستوى، تحيط بالمدارك الروحية وتوجّه العلاقة مع الخالق، ثم تفيض بحالة خارجية قوية متفاعلة بين الروح والجسد، وعلى الجوارح الجسدية بالعمل والجد والسعي تمثلا بالثقة واليقين الداخلي الذي تجلى خارجيا بالعمل.
عندما تدرك بيقين أن كل ما يحدث معك هو بترتيب إلهي، كتبه سبحانه لك في علم الغيب، الذي لا يدركه سواه، وكُتِبَتْ لك أقدارٌ لم تتخيلها -والأغلب لم تخطر على بالك يوما ولا حتى في أحلامك- إلا أنه (القريب) قد كتبها لك بعلمه وكرمه وفضله، وقد تبيت وقد صرف عنك الكثيييير من المصائب، التي لم يخطر على بالك أنها قد تحدث لك يوما -ولا حتى في كوابيسك- إلا أنه قد صرفها عنك بحكمته وقدرته ورحمته.
تعيش في الدنيا وكأنك تعرف كل شيء، وأنت في الحقيقة لا تعلم إلا ما قدره لك أن تعرفه، وهو الشيء اليسير اليسير جدًا، والأكثر والغالب هو ما لا تعرفه “ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء”. لذلك تجد الراحة والسكينة والسلام في التسليم له وتفويض الأمر إليه فيما شق عليك أو غاب عنك معرفة كنهه؛ لتجد نفسك متيقنا، مسلما، راضيا، واثقا أنه يختار لك الأفضل، ويقيك الأسوأ، ويعطيك الأكثر،
كن معه فقط،
وأحسن ظنك به،
وراقبه بقلبك وجوارحك، وأفعالك؛
تجد أنك ربحت الملك… القادر… المالك… الوهاب…
وتجد تجلي ذلك في حياتك، عطاءا وخيرا ووفرة وسلاما ومحبة وازدهارا…
فمن كان مع الملك قالبًا؛ يأخذ نصيبه من عطاياه، فما بالك إذا كنت معه قلبًا وقالبًا! ستأخذ نصيبك من عطاءات مباركات
من فيض نية قلبك الخالصة، ويقين نفسك الصادقة، وصفاء روحك النقية.
*مديرة مؤسسة ” بصمة حياة ” للتدريب، ومدربة تنمية ذاتية وتطوير شخصي وبرمجة لغوية عصبية.