بقلم: أ. مراد غريبي*
في يوم الثلاثاء ٢٧ يوليو ٢٠٢١م فقدت الثقافة في عمان قامة من قامات الفكر و الثقافة و الفلسفة الإنسانية، شخصية بكل ما تملكه من سعة اطلاع و خبرة تفكر و مسيرة حوار و ديبلوماسية إنسانية فريدة تزخر بتواضع آسر و نظرة متسامحة و أدب متناسق مع كل إختلاف، إنسانية عكست أضواء الإسلام في جل بصمات حياتها في التفاعل مع الإنسان و الطبيعة و الكون و القيم في ذلك كله.. المفكر صادق جواد سليمان هذه الشخصية التي عرفتها قبل عشر سنوات من خلال كتاباته المميزة في وعي الأخلاق و تشرفت من خلال حوارات صديقي الأستاذ الباحث بدر العبري مع الراحل المفكر صادق جواد و التي انتظمت في كتابين رائعين شكلا إضافة نوعية للمكتبة العربية و الإسلامية عامة و العمانية خاصة، يبقى أن تنتقل للعالمية عبر الترجمة لعدة لغات حتى ينتظم الطرح الفلسفي للمفكر صادق جواد في الثقافة الإنسانية كما عهدناه في مقارباته للمفاهيم و الإشكالات و التطلعات..
بعد عام من فقدنا لهذا المفكر الخالد برؤاه و أخلاقه ومنهجه النقدي نتساءل:ماذا بعد رحيل صادق جواد ؟
صادق جواد منح أجيالا في الجغرافية العربية و الإسلامية تجربة ثقافية تحتاج إلى اهتمام تفاضلي بعد وعي تكاملها في سيرة المفكر صادق جواد سليمان، كونها بذرة فكرية حية تنتظر العناية و التطوير و التجديد حتى تثمر رؤى جديدة و وعيا إنسانيا يشع بالعدالة و السلام، وعلى قدر المشقة التي تحملها المفكر صادق جواد بصبر و جد و اجتهاد و تضحية من أجل كسر صخور التحجر و التعصب والفردانية، مما يحملنا كمهتمين بفكر هذا المفكر أن نفتح آفاق النقاش و المراجعة لقضايا هذه الصفحة الفكرية ليمتد الوعي و تتسع دائرته عبر الزمن الإنساني في عمق الدائرة العربية و الإسلامية…
بين الدين و ماهية الإنسان و منهج التفكير و آفاق السلام ، آفاق معرفية ومهارات عملية في اكتشاف حقائق العدل و الحق و الحضارة الإنسانية المنفتحة على ضرورات الوجود كله يختزنها تراث هذه الشخصية المثقفة كما عرفته..
في الذكرى الأولى لرحيل المفكر و الفيلسوف العماني صادق جواد سليمان :
أولا: متى نقرأ فلسفة صادق جواد اليوم أكاديميا؟ بمعنى أننا بحاجة إلى قراءة أكاديمية نقدية لطروحات صادق جواد، تغني حاجتنا الفلسفية الإصلاحية الراهنة و المستقبلية، وتستجيب لمطالب واقعنا، وتواكب التحديات الفلسفية المسيطرة على الدرس الفلسفي لدينا، وبهذه الطريقة تستثمر الحيوية والفاعلية والتجدد المخزون في فكر صادق جواد.
ثانيا: متى نواصل إتمام ما رسم معالمه صادق جواد سليمان فكرياً؟ بمعنى أننا بحاجة إلى الانتقال من منطق الوصف, إلى منطق التطوير, وهذا هو التحدي الذي ينتظرنا فكريا و ثقافيا كمعاصرين لفكره!
ثالثا: ينبغي أن نعيد النظر في طريقة تعاملنا مع الماهية في فلسفة صادق جواد، ونبحث لنا عن طريقة تجديدية تتخذ من منهج سلامة التفكير عند صادق جواد سليمان أساساً ومنطقاً.
يبقى أن الاحتفاء بعبقرية هذا المفكر الحر و المتواضع أمانة ذات مسؤولية ترسم معالم مشروع الفكر النهضوي عند صادق جواد سليمان، لأنه رحمه الله سجل حضوراً بعد غيابه لعله يفوق ما كان عليه في حياته..إنه مثقف عمان الطفرة من خلال تجاربه الفلسفية الثلاثة: التجربة العمانية بأبعادها المحلية و العربية و الإسلامية، التجربة الغربية خلال تواجده بأمريكا ثم التجربة الفلسفية الذاتية في آفاقها الوجودية الإنسانية الكونية، حيث قدمها بوصفها فلسفة لها مقومات وركائز وشروط الفلسفة الجادة عبر صياغة منهج التفكير و تحرير ماهية الإنسان و الحياة من خلال سلامة الفكر في وعي الدين و العلم و الفلسفة و الحضارة ..
سلاما أيها المفكر صاحب المطارحات و الأفكار و المقاربات شديدة الأهمية في بعض القضايا الحساسة والملتبسة في الفكر الإنساني المعاصر..
كاتب و باحث في الفكر
