د. علي بن محمد بن سلطان
يعد “بيت البرندة” معلما تاريخيا، فلقد بناه التاجر العماني المعروف بـ”خان بهادر” في أواخر القرن التاسع عشر ليتخذ منه مسكنا ثانيا بعد سكنه الأول في مسقط العاصمة.
شاءت الأقدار أن تستأجره البعثة الأمريكية لتقيم فيه مستوصفا، فيتحول البيت الثاني لمحمد نصيب داود الرئيسي إلى موقع لعلاج المرضى، ويباشر فيه الدكتور شارون والد الدكتور طوماس علاجه للمرضى حتى ساعة موته، فيعقبه طبيب وآخر من البعثة الامريكية حتى عام 1933 حينما تم بناء مستشفى طوماس، ليتولى طوماس ابن شارون علاج المرضى من صرح مشيد وفق مقاسات صحية متطورة تتناسب وواقع مطرح وقتئذ.
ومع مرور الوقت ومع دوران الساعة بتعاقب الليالي والأيام يتحول بيت البرندة “البرنديل” بالتسمية الشعبية لأهالي مطرح، إلى بيت يستأجره حجي عبدالرضا سلطان محمد فاضل عام 1952 كدار سكن حتى 1967.
وفي عام 1972 يتحول بيت البرندة إلى موقع للمجلس الثقافي البريطاني، فتم ترميمه ليكون قبلة لعشاق القراءة، ومكانا لاستعارة الكتب سواء من النشء أو من موظفي كبرى الشركات ومحبي المطالعة للكتب والدوريات والقصص والمجلات، ما يرفد الجوانب الثقافية عندهم، ليغدو بيت البرندة واحدا من المواقع المتقدمة في عالم العلم والنور والثقافة، في الوقت الذي بدأ العلم والتطور يكسب مواقع الريادة في كل عمان وبالأخص العاصمة مسقط.
جاء للمجلس نخبة من المدرسين البريطانيين وبدأ التدريس يأخذ واقعا ملموسا في حياة المطرحيين، لدرجة أن المجلس غدا معلما بارزا ينافس المدارس الأهلية في توفير قاعدة عريضة من المتكلمين للغة الإنجليزية أفادت الكثيرين عند تعيينهم في البنوك والشركات التي بدأت تنمو مع الوقت.
وبعد أن توسع نشاط المجلس الثقافي خرج من حضن “البرندة” إلى مواقع وسيعة متنوعة فيما تحول هذا الموقع إلى دارٍ سكنها الأستاذ صالح محمد طه الذي جاء مع الرعيل الأول كمدرس في سعيدية مطرح.
رشح البيت لينال جائزة “آغاخان” المعمارية وفي عام 1982 استأجرته إحدى الاستشارات الهندسية “تشاك برينجل” ثم غدا مهجورا إلى أن قامت وزارة التراث والثقافة بشرائه من ورثته وقامت بصيانته وتم افتتاحه تحت الرعاية الكريمة لصاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه-، وقتئذ كان وزيرا للتراث والثقافة في 16 من ديسمبر عام 2006.
يتضمن متحف “بيت البرندة” النفائس من الصور التاريخية واللوحات والرسومات للقرن السابع عشر وحتى التاسع عشر وصورا لميناء مسقط في حواشي الخرائط وطريق التوابل “خريطة” وصورا لمخازن الفحم على شاطئ المكلا تم تقسيمه بين بريطانيا وفرنسا.
وفي الصورة التي أمامنا يظهر جليا سكن السيد حسين أسد الله الموسوي “سيد عالم”، ففي هذا البيت كنا نراه يجالس أهل العلم والحاجة وكانت له شرفة على الساحة المطلة من بيته وبين بيت البرندة والساحة الخلفية للمدرسة السعيدية.
في هذه الساحة كان طلبة السعيدية يقضون أمتع أوقاتهم في الفسح التي كانت تتخلل الحصص فيتناولون الريوق من “راهبوك” ويحتسون شاي “حسن درواني” تحته جمر مُتًقد ويأكلون ألذ “لولاه” من ماما عائشة ويتناولون ما لذ وطاب من الآيسكريمات الآتية عبر الترامس “المطارات” في يوم لم نكن نعرف سوى ثلاجة كيروسين من نوع أبو الفتيل.